محمد ضريف
تتحدد رؤية الإسلاميين المغاربة للديموقراطية بمدى ارتباطها بالشورى قربا أو بعدا، تماثلا أو تباينا، لذلك ينبغي التمييز بين مستويين من التعاطي : الأول ذي طببيعة "براغماتية" والثاني ذي طبيعة "مبدئية".
يتأسس التعاطي البرغماتي مع الديموقراطية على ثلاثة اعتبارات : تحديد هامش الاستفادة التي تعود على العمل الإسلامي أولا، ومراعاة "المرحلية" ثانيا، وتمكين الشعب من التعبير عن خياره الإسلامي ثالثا.
على صعيد الاعتبار الأول المتمثل في تحديد هامش الاستفادة التي تعود على العمل الإسلامي، تؤكد "جماعة العدل والإحسان" في وثيقة "توضيحات "استفادتها من الديموقراطية وحقها هدفها التفسير الإسلامي الذي يناسب منهاج الدعوة، وتتمسك بما يكفل لها حقوقها في الوجود والرأي والتعبير الحر وسط مختلف فئات الشعب المسيسة وغير المسيسة، المسلمة وغير المسلمة، وتضيف الجماعة بكونها لاترفض الديموقراطية وتطالب باحترام الحقوق المسطرة : حرية إبداء الرأي بمختلف الأساليب المشروعة في حدود الآداب والأخلاق والقانون وتمكين الجماهير الشعبية من الحقوق الأساسية الفعلية مثل : حق الوجود والتجمع وتكوين الأحزاب والجمعيات ومختلف الهيئات السياسية إسوة بديموقراطية الغرب في تقديرها للحريات العامة، على الأقل مادامت الديموقراطية المتحدث عنها تستقي مبادءها ومفاهيمها منها.
يرتبط الاعتبار الثاني بـ "المرحلية"، فبناء دولة القرآن يمر عبر بناء دولة الإنسان، هذه المقولة تختزل أحد اعتبارات التعاطي "البرغماتي" مع الديموقراطية
تندرج رؤية "حركة البديل الحضاري" في هذا المنظور، حيث تغدو الديموقراطية كما ورد في وثيقة "البيان الحضاري" آلية تسمح بالاختلاف والتعددية والتداول السلمي للسلطة من خلال الاحتكام إلى صناديق الاقتراع التي وحدها تملك أن تفرز بكل شفافية ووضوح من اختارتهم الأمة.
ويطرح التساؤل : ماهي الغاية من اعتماد الديموقراطية كآلية؟ إنه الوصول إلى إقامة دولة الإسلام، غير أن الوصول إلى دولة الإسلام يمر ضرورة بإقامة دولة تحترم حقوق الانسان واختياراته، من هنا تؤكد "حركة البديل الحضاري" على كون نضالها سينصب على المطالبة بدولة حقوق الانسان، دولة الحرية والديموقراطية والعدالة، دولة تتجسد مداخلها بإنجاز إصلاح دستوري حقيقي وشامل من شأنه أن يقود إلى حياة سياسية سليمة، واضحة ومسؤولة تكون فيها الكلمة العليا للقانون والدستور المؤطرين بشريعة الله، وتذهب "حركة البديل الحضاري" إلى القول بأن الحكم الذي تراه مشروعا هو الحكم القائم على الشورى كمضمون والديموقراطية كآلية ووسيلة.
يتعلق الاعتبار الثالث بتمكين الشعب من التعبير عن خياره الإسلامي، وفي هذا الإطار هناك اجماع لدى الإسلاميين بكون الشعب لن يختار غير الحكم الإسلامي إذا ما دعي للتعبير عن خياراته بشكل ديموقراطي.
بعيدا عن التعاطي "البرغماتي"، يمكن القول بأن ما يحكم الإسلاميين في علاقتهم بالديموقراطية هو التعاطي المبدئي، تعاط يتأسس على اعتبار الديموقراطية "بنية يصعب عزل بعض عناصرها عن العناصر الأخرى، وتجسد "جماعة العدل والإحسان" نموذجا لهذا التعاطي الذي تؤسسه على مستويين : يتعلق المستوى الأول بضرورة التمييز بين ممارسة الديموقراطية في بلاد الغرب وممارستها في بلاد المسلمين، فالديموقراطيون.
كما يقول عبد السلام ياسين في "حوار مع الفضلاء الديموقراطيين" في بلاد الغرب أحزاب متعددة يمتد طيف مذهبيتها من يسار الاشتراكية الديموقراطية بعد أن أفل نجم الاشتراكية إلى يمين الليبرالية الجديدة عبورا بوسط الديموقراطية المسيحية، في بلاد الغرب هناك ضوابط لممارسة الديموقراطية تتمثل في تعايش بين الأحزاب ونقد متبادل ومعارضة ترصد أغلبية في الحكم، وفريق متحالف ينتظر ساعته ليسقط الحكومة وتداول عى السلطة وحرية للصحافة مضمونة وحقوق دستورية مقننة مصونة ودستور قعدته الأيام بتجاربها المرة الطويلة يصبح الاحتكام إليه وتحكيمه وتأويله واحترام القانون بديلا حضاريا متحضرا سلميا للحرب الأهلية والقلاقل والاضطراب.
ورغم العلل والأمراض التي تصيب جسم الديموقراطية في الغرب، وهي أمراض شيخوخة وليست أمراض طفولة، فإن ذلك لاينقص من قيمة التجربة، فمجموع مؤسساتها وماتعطيه من موازنة السلطة للسلطة ومقارعة النقيض بالنقيض ومنازلة الخصم للخصم يؤمن سير تلك القافلة متأرجحة لها من المرونة رغم شيخوختها ما يقويها على تجاوز الأزمات السياسية وقلب الصفحة واستبدال الوجوه كلما استفحلت الأزمة الاقتصادية أو افتضح حاكم تلجئه الصحافة الحرة إلى الاستقالة، أو تجاوزت حكومة برمتها حدود المسؤولية، فيفزع الناس إلى صناديق الاقتراع.
أما في بلاد المسلمين، فإن أنصار الديموقراطية يستجيرون بها من الاستبداد التقليدي العتيق أي الاستبداد الانقلابي الطارئ كما تهفو أفئدة السياسيين إليها بما هي حرية وحقوق إنسان وتعددية وتداول على السلطة وباب مفتوح على الرئاسة
تنحاز النخبة المثقفة عن سابق وعي الى الديموقراطية سبيلا الى الخلاص من الاستبداد ووسيلة لتسلق السلم الاجتماعي، إن هذا الإنجاز الى الديموقراطية أمر مقبول، لكن من غير المقبول أن لاتقوم هذه النخبة بتحديد جوهر الديموقراطية التي تقترحها على الشعب سبيلا للخلاص، وهنا تنتقل الى المستوى الثاني المرتبط بالتعاطي المبدئي.
ينقسم الإسلاميون في موقفهم من الديموقراطية الى معسكرين : يذهب المعسكر الأول إلى القول بأن الديموقراطية غنيمة ومكسب للإنسان وهي التي تشكل المخرج الوحيد، وهي أخت الشورى الإسلامية ورديفتها وجنسها، وقد تكون الشورى مكملة للديموقراطية.
يصرح المعسكر الثاني بأن الديموقراطية هي كفر، وإن لم تكن كفرا فهي أخت الكفر، يقول محمد الفزازي في كتابه "الشورى المفترى عليها والديموقراطية : نظرات في السياسة الشرعية" : يزعم البعض أن الانتخابات الديموقراطية هي عين الشورى في الإسلام وأن الشورى على الديموقراطية في جوهرها والاختلاف لفظي، في حين يزعم آخرون من بيننا أيضا أن الإسلام يوافق الديموقراطية في آلياتها الانتخابية فقط. فهؤلاء وأولئك إما أنهم جاهلون بالإسلام في جانبه الشوري على الأقل أو جاهلون بالديموقراطية في جانبها الآلي على أقل تقدير".
ترفض "جماعة العدل والإحسان" من خلال عبد السلام ياسين ما يذهب إليه المعسكر الأول، فأي تناقض هذا عندما نتحدث عن "إسلام ديموقراطي" تارة وعن "ديموقراطية إسلامية" تارة أخرى، فالجماعة تسميها "شورى" ولاتخلط في اللفظ لأنها لاتخلط بين الحقائق، كما تنتقد ما يذهب إليه المعسكر الثاني، ذلك أنه إذا وضعت معادلة "ديموقراطية تساوي كفرا يتحدد الحليف ويتساوى ما لايتساوى شرعا وسياسة وحكمة حيث نساوي بين الاستبداد المنافق وبين من يحارب الاستبداد بإخلاص، تؤكد جماعة العدل والإحسان" بأنه ليس لديها نزاع مع الديموقراطية في حالة معرفة حقيقة ظواهرها وبواطنها وكيفية تلاقيها مع المطالب الإسلامية وماهي حالات التنافي معها
إن معرفة حقيقة بواطن الديموقراطية وظواهرها تفضي إلى تأكيد التلازم الحاصل بينها وبين اللائكية، فلاديموقراطية بدون لائكية، تكررها جماعة العدل والإحسان لتترسخ في الأذهان.
تستمد الديموقراطية إذن روحها من اللائكية ويجسد المجتمع المدني فضاءها، والبديل الإسلامي هو "الشورى" التي تستمد روحها من "حاكمية الله" وتجسد "جماعة المسلمين" فضاءها.
هل يفيد التشديد على التلازم بين "الديموقراطية و"اللائكية" رفضا لها؟، لقد ميزت "جماعة العدل والإحسان" بين بعدين للديموقراطية : هناك بعد فلسفي يتمثل في العلمانية (= اللائكية) ترفضه وبعد مسطري وإجرائي يتجلى في الاحتكام الى صناديق الاقتراع تقبل به، ويبقى السؤال مطروحا : كيف يمكن الفصل بين "الفلسفي" و"المسطري" في البنية الديموقراطية؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق