ما الذي يدفع المغاربة إلى الخروج إلى الشارع ؟ حوار مع الأستاذة منية بناني شرايبي - مدونة تحليل السياسات

اَخر المشاركات

منصة إلكترونية تعنى بقضايا المعرفة السياسية

السبت، 8 سبتمبر 2018

ما الذي يدفع المغاربة إلى الخروج إلى الشارع ؟ حوار مع الأستاذة منية بناني شرايبي



ما الذي يدفع المغاربة إلى الخروج إلى الشارع ؟ كيف تغيرت التعبئة وإدارة هذه التعبئة منذ أواخر التسعينات؟ رداً على ذلك ، أجرت طفرة مقابلة مع مونية بناني الشرايبي، أستاذة العلوم السياسية في جامعة لوزان ، ومؤلفة العديد من الأعمال في علم اجتماع الحركات الاجتماعية ، والشباب ، والتعبئة الانتخابية ، والنضال – الجمعوي والحزبي – في سياق استبدادي.

ما الذي يدفع المغاربة إلى الخروج إلى الشارع منذ الاستقلال؟

نذكر مسألة التعليم: ففي عام 1965، كانت هناك مذكرة تحظر على البالغين من العمر 17 سنة الالتحاق بالمدارس الثانوية، وهو الأمر الذي نتجت عنه أحداث الدارالبيضاء. وفي عام 1984، كان هناك الإعلان عن تدابير تمس بمجانية التعليم: وقد اتسمت هذه المرحلة بتعبئة هائلة في مختلف مناطق المغرب.
هناك أيضاً تكلفة العيش. فالاحتجاجات لم تبدأ مع حركة المقاطعة الواسعة في ربيع 2018، حيث شهدت البلاد ظهور التنسيقيات المناهضة لغلاء المعيشة في العقد الأول من هذه الألفية، وقبلها احتجاجات سنة 1981 التي صاحبت سياسات التقويم الهيكلي ثم ارتفاع أسعار المواد الأولية.
تضاف إلى هاتين الفئتين مسألة التشغيل والمعطلين من أصحاب الشهادات منذ سنة 1991، والتضامن مع القضايا الإقليمية: فلسطين والعراق. كما أن حرب الخليج دفعت بالناس إلى الشوارع في فبراير 1991، حيث شهدت البلاد أولى المظاهرات الكبرى.
إضافة إلى ذلك، هناك المسائل المتعلقة بالقيم والأعراف والحقوق، سواء تعلق الأمر بإصلاح مدونة الأحوال الشخصية في سنة 2000 أو المظاهرات من أجل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين أو تلك المتعلقة بضحايا القمع وانتهاك حقوق الإنسان…

كيف تغيرت أنماط التعبئة منذ أواخر التسعينات؟

أعتقد أنها تغيرت كثيراً في ظل الديناميات المختلفة. أولاً، إذا عدنا إلى نهاية عهد الحماية، نرى أن التعبئة بدأت تنتقل شيئاً فشيئاً من القرى والبوادي “بلاد السيبة” إلى المدن الكبرى، فأصبحت هذه المدن مسرحاً للتعبئة فيما كان المخزن يحاصر العالم القروي. رغم ذلك كانت هناك حركات تعبئة بين الفينة والأخرى، لكن التعبئة الفعلية كانت تتم في المدن الكبرى.

ومع التحرير النسبي الذي شهدته البلاد، امتدت التعبئة إلى المدن المتوسطة والصغرى، بل وحتى إلى القرى والبوادي. فمع بروز حركة “20 فبراير”، عرفت البلاد تعبئة 110 منطقة في 24 أبريل. هذه هي النقطة الأولى في هذه المسألة.

أما المستوى الثاني فيتمثل في التغيير الذي طرأ على شخص المتظاهر، حيث انتقلنا من الخاصة إلى العامة. إذ كان الأمر ينحصر فيالفئات المُسيَّسة : كالطلاب، والعمال المنخرطين في النقابات، والموظفين، قبل أن تصير التعبئة أكثر تنوعاً. فأصبح من الممكن رؤية حركات تعبئة تضم باعة متجولين وسكان دور الصفيح، كما أنها شملت العنصر النسوي كذلك، كما يظهر من خلال حركة السلاليات التي استمرت منذ 2008 إلى غاية 2011.

هذه التحولات المتمثلة في الانتقال على المستوى المحلي من القرى إلى المدن، وفي التحول الذي طرأ على المتظاهرين، كانتا مصحوبتين بحركة أخرى تجلت في تهدئة التعبئة، أي أنه مع التحرير النسبي للفضاء السياسي، حدث تحول في طريقة احتواء المتظاهرين. إذ ستتوقف السلطات عن إراقة الدماء وسيكتسي التظاهر نوع من التهدئة. وبالتالي سيصبح الأمر أقل تكلفة نسبياً، حيث إن الخروج إلى الشوارع لم يعد ينتهي بحمام دم كما كان الحال عليه في سنة 1981 أو 1984. هنا أيضاً نلاحظ مظاهر التنوع، إذ لم تعد التعبئة حكراً على النقابات أو الأحزاب السياسية التي كانت تلجأ للشارع للضغط على السلطات، وهنا سنرى أن هذا التنوع ينطبق أيضا على أساليب العمل. فالأمر لم يعد يقتصر على الإضراب والتظاهر والاعتصام، بل بات يشمل القافلات وارتفاع عدد العرائض المقدمة والمقاطعة وغيرها.

كيف تغيرت إدارة السلطات للتعبئة؟

بين سنتي 1988 و1998، أدت العديد من الظواهر – من قبيل طرح حقوق الإنسان كمسألة مشروعة على المستوى الدولي، ومساعي الدول المجاورة لتحقيق الديمقراطية، والاستياء من الحرب الأهلية في الجزائر، والمخاوف مما ستؤول إليه المملكة، واعتلال صحة الملك – إلى خلق مناخ يشجع على التحرر السياسي.

على النقيض من ذلك، يبدو أن الصورة التي ترتبط فيها السياقات الدولية والإقليمية في الفترة ما بين 2013 و2018 بالزمن البيولوجي لملك المغرب تدعو بشكل أكبر إلى اتخاد تدابير مقيدة للتحرير. فأمام ملك تثير صحته الكثير من القيل والقال، وصور الحروب الأهلية التي تشهدها المنطقة، لم تعد فزاعة الفوضى تنفع مع المتظاهرين. أما السلطات، فتواجه صعوبة في إعادة ضبط أساليبها الاعتيادية. فمن أجل إيقاف الاحتجاج، تضطر إلى اللعب على الحبلين: أي تحاول عدم إعطاء الانطباع بأن الاحتجاج يؤتي أكله، وفي نفس الوقت تتجنب تكثيف ممارسة أعمال القمع حتى لا تتضاعف التعبئة الجماهيرية.

الكلمة الأخيرة

شخصياً، أرى أنه في زمن بوتين وترامب وأردوغان والأسد، وفي وقت نظمت فيه القوات المناهضة للثورة صفوفها على المستوى الإقليمي، تكمن الإشكالية فيما إذا كان القصر سينجر وراء الخطاب السائد المتمثل في أن العنف يؤتي أكله. في هذه الحالة، أعتقد أنه سيخاطر كثيراً، كما يقول المثل المغربي، “دخول الحمام ماشي بحال خروجو “. الآن لم يعد بإمكاننا الرجوع إلى الوراء. فقد شهد المجتمع قدراً كبيراً من التراكمات والتنظيم، فلم نعد نتحدث عن أشخاص يخرجون إلى الشارع لأن نقابة أو حزباً سياسياً دعا إلى الإضراب حتى يحقق مآربه الخاصة.

كما أن حتى آليات من قبيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وعمليات التعبئة الموسومة بالزبونية التي تتم خلال الانتخابات، قد مكنت من إقامة عدد من الشبكات، ما يعني أنه تم تعميم هذه الأعراف. لذلك يمكن لجميع هذه الشبكات، وليس فقط شبكات “فيسبوك”، أن تلعب دور آلية احتجاج. وبالتالي، لا أعتقد شخصياً أنه يمكننا العودة إلى الوراء.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق