د.عبد المنعم لزعر
على امتداد أزيد من 50 سنة من العمل الحزبي بالمغرب، باتت حصيلة هذا النموذج المؤسساتي محط انتقاد وموضع أسئلة لا تتوقف من طرف أكثر من جهة، سواء على المستوى الرسمي أو الاكاديمي أو الاعلامي وحتى على مستوى مساحات النقاش العمومي، أسئلة تتمحور حول مدى فعالية الأساس المعياري والوظيفي الذي يؤطر هذا النموذج، حيث تواترت خلال الزمنية السياسية الراهنة جملة من المؤشرات على قصور بين في الاداء الحزبي بالمغرب على مستوى وظائف التدبير والتأطير والتمثيل والوساطة...، وكذا اتساع هوة اللاثقة بين الجسد الحزبي والجسد الانتخابي، حيث تشير الأرقام الانتخابية إلى فشل 16 حزبا من أصل 24 حزبا شارك في الانتخابات التشريعية لـ 07 اكتوبر 2016 في إدراك عتبة 03% من الاصوات، وأكثر من ذلك تثير ذات الارقام إلى فشل 14 حزبا في الوصول إلى عتبة 01% من اصوات الجسد الانتخابي، هذا الفشل كانت له العديد من التعبيرات، تجلت أساسا في افراز خريطة تمثيلية بدون روح، وممارسة سياسية بدون معنى، ولعبة انتخابية بدون رهانات، كان من بين افرازاتها، حالة "البلوكاج" الحكومي، عودة "السلطوية الجديدة"، ضعف المجال الحكومي، وتراجع الثقة بين الدولة والمجتمع.
وفي تكامل مع هذه المؤشرات تشير القراءات الرسمية بشكل صريح إلى المأزق الذي بات يواجه وظائف وأدوار النموذج الحزبي المغربي، حيث جاء في خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش بتاريخ 30 يوليوز 2017 "وإذا أصبح ملك المغرب، غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة، ولا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب؟" مضيفا في نفس الخطاب إلى أن "بعض الأحزاب تعتقد أن عملها يقتصر فقط على عقد مؤتمراتها، واجتماع مكاتبها السياسية ولجانها التنفيذية، أو خلال الحملات الانتخابية. أما عندما يتعلق الأمر بالتواصل مع المواطنين، وحل مشاكلهم، فلا دور ولا وجود لها. وهذا شيء غير مقبول، من هيآت مهمتها تمثيل وتأطير المواطنين، وخدمة مصالحهم".
هناك العديد من المداخل والخيارات التي يمكن اعتمادها لتحليل الفشل البنيوي والوظيفي الذي بات يلازم النموذج الحزبي المغربي، أهمها تهميش مركز الاحزاب داخل الحياة السياسية، وتجريد هذه المؤسسة الدستورية من استقلالية الفعل وحرية الحركة الضرورتين لأي نموذج حزبي، فالأحزاب السياسية بالمغرب ليست ممارسة متأصلة تاريخيا، وليست مركزا للحياة السياسية والتمثيلية وليست سلطة حقيقية من سلط الدولة وإنما هي جزئية نمت على هامش المركز الذي تتسامى داخله المؤسسة الملكية، تقوم بدور الوساطة وتحتاج بدورها إلى الوساطة، تقوم بدور المراقبة وتخضع بدورها للمراقبة في ظل مشهد سياسي تغيب فيه مبادئ الحرية وممارسة السلطة واستقلالية القرار، وهو ما جعل ضعف النموذج الحزبي معطى ملازم للحياة السياسية منذ الاستقلال.
من خلال مؤشرات تلاشي النموذج الحزبي والمداخل المفسرة لحالة التلاشي تقترح هذه الورقة صياغة سياسة عمومية بديلة تتخذ من عنوان "الاستثمار في استقلالية القرار الحزبي" منطلقا لها، مع توجيه محاور هذه السياسة العمومية نحو تحسين شروط الممارسة السياسية والحزبية بالمغرب عبر تحرير الفضاءات السياسية من قيود وآليات الضبط والمراقبة وفتح هامش الحرية أمام الفعل السياسي والتمثيلي بالمغرب عبر صياغة معايير وصيغ دستورية واضعة كمنطلق استراتيجي لبناء نموذج حزبي قوي وفعال، يتحرك في قلب رهانات السلطة وليس على هامشها، لأن الديمقراطية في أسمى تعبيراتها المعيارية والقيمة هي صنو الحرية ولا ديمقراطية بدون حرية وبدون استقلالية.
من هنا توصي هذه الورقة بضرورة التحرك الفوري نحو اعتماد هذه المداخل من أجل نموذج حزبي مغربي قوي، حتما ستكون هناك مقاومات مغلفة برهانات مختلفة، لأن أي تغيير لأسس هذا النموذج هو تغيير لموازين ومراكز سياسية تستثمر في عائدات الجمود الحزبي، لذلك، يجب أن ترقى الرغبة في اصلاح الجسد الحزبي إلى مرتبة الاعتقاد بجدوى الاصلاح وأولوية مداخله، وذلك، من أجل بناء نموذج حزبي قوي، لأن قوة الاحزاب السياسية من قوة السلطة التي تحوزها ومن قوة الاستقلالية التي تتمتع بها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق