حركة 20 فبراير في المغرب: دراسة في سياقات التحرك وبنية الحركة (02) - مدونة تحليل السياسات

اَخر المشاركات

منصة إلكترونية تعنى بقضايا المعرفة السياسية

الاثنين، 8 أكتوبر 2018

حركة 20 فبراير في المغرب: دراسة في سياقات التحرك وبنية الحركة (02)

د.توفيق عبد الصادق

أولاً: التشيكل والحشد
: مرحلة التشكل 
بعد ظهور مجموعات الشباب الداعي لإطلاق الحركة الاحتجاجية 20 من فبراير، اسوة بنظرائهم في تونس ومصر، ومع اتساع تداول الوثائق ونقاشها في المجال الافتراضي، التحقت مجموعات شبابية تنتمي إلى منظمات سياسية وحقوقية مهيكلة بالدعوة للتظاهر، اضافة لضم الحركة لطلبة وخريجين جامعيين، وبعض من الشباب المنتسب لحزبي العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بالرغم من موقف قيادة حزبيهما المناهض للحركة الاحتجاجية.  
كل هذا كان بعيداً وبمعزل عن المؤسسات التقليدية، مثل الأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني، وهذا ما يفسر انتقاد شباب الحركة لغالبية الأحزاب والتنظيمات النقابية والمدنية ورفض وصايتهم، في العديد من مسيراتهم وشعاراتهم المرفوعة، باعتبارهم مساهمين ومشاركين للنظام السياسي في الوصول بالمجتمع لحالة التردي المعاشة. 
هذا الرفض واصرار حركة 20 من فبراير عن التحرك خارج الاطر الحزبية والنقابية السائدة، هو ما يميزها عن مختلف الحركات الاحتجاجية والانتفاضات الحضرية التي عرفها المغرب الحديث،(1965، 1981، 1984، 1991)، ويضعها ضمن الاطر النظرية المفسرة للحركات الاجتماعية، كما ان تأطير المطلب السياسي لما هو اجتماعي واقتصادي، هو ما يجعلها متقدمة على الحركات الاحتجاجية المطلبية العديدة والتي ظهرت في شوارع المدن وساحاتها بعد سنوات التسعينات من القرن الماضي، ممثلة في حركة المعطلين اصحاب الشواهد الجامعية، وكذلك في حركات الاحتجاج الاجتماعية المنتشرة بعدة مدن وقرى، المطالبة برفع الحكرة والتهميش، وتحسين الولوج للخدمات الصحية والتعليمية والحصول على سكن لائق.
وقد كانت اعمق واقوى موجات الاحتجاجات هاته، ما شهدته مدينة صفرو في العام 2007 وسيدي افني في العام 2008، ومن قبلها الاحتجاجات المناهضة لغلاء الاسعار وفواتير استهلاك الماء والكهرباء، والتي تنظمت تحت مسمى التنسيقيات المحلية لمناهضة غلاء الاسعار منذ العام 2006، والتي كانت بدايتها منذ العام 2005، بمدينة بوعرفة بالجنوب الشرقي للملكة، حيث رفض السكان تأدية فواتير الماء والكهرباء، وهددوا ما مرة بالقيام برحيل جماعي نحو الجزائر المحاذية لحدود المنطقة.
: مرحلة الحشد
من خلال التتبع لمسار حركة 20 فبراير، منذ انطلاقتها وعلى مر التموجات والمحطات التي مرت بها لأزيد من سنتين من عمرها الاحتجاجي ، خاصة في المدن التي كانت فيها الحركة أكثر دينامية واستمرارية (طنجة، الدار البيضاء، بني بوعياش...)، نلاحظ أن الحركة عاشت ومرت بمرحلتين بارزتين:
الاولى، يمكن تسميتها بمرحلة جذب الانتباه، وقد بدأت هذه المرحلة في اليوم الأول من الاحتجاج، حيث خرج أزيد من  120 ألف مغربي في مسيرات جابت 53 مدينة وقرية، ليتسع جذب وانتشار حركة 20 فبراير، بخروجها في أكثر من 100 مدينة وقرية مغربية بشكل أسبوعي ولأشهر عديدة، مع ما سجلته الحركة من فارق في النسب بين المدن وفي مختلف المحطات.
المرحلة الثانية والتي تسمى مرحلة الحشد، فهي تلك المرحلة أو المحطة التي دخلت فيها حركة 20 فبراير، عبر نشطائها على صعيد كل مدينة في وضع البرامج النضالية الاسبوعية، مع ما يستلزمه هذا العمل من ترتيبات تنظيمية وجهود تعبوية وطرق للحشد في احياء المدن وساحاتها، وهذا ما جعل من دينامية الحشد والتعبئة تنعكس في حجم التظاهرات والمسيرات تبعاً لكل مدينة ووفقاً لكل محطة نضالية، ذلك ان مدن معينة كمدينة طنجة وبني بوعياش في الشمال ومدينة الدار البيضاء كبرى مدن المغرب، سجلت أعداداً كبرى للمتظاهرين (أزيد 150 ألف متظاهر)، مقارنة مع المدن الاخرى، خاصة في محطات 20 فبراير و20 مارس و24 ابريل و15 ماي و22 ماي و5 يونيو و12 يونيو من العام 2011. 
الجدول والرسم البياني (رقم 1)، يوضحان تطور الاحتجاجات في هذه المرحلة وتمددها في المدن بالشكل التالي: 
الجدول رقم 1: توضيح تاريخ وعدد مدن الفعل الاحتجاجي لحركة 20 فبراير

تاريخ الفعل الاحتجاجي عدد المدن    
20 فبراير 2011 53 مدينة    
20 مارس 2011 63 مدينة    
24 أبريل 2011 110 مدينة    
15 ماي 2011 30 مدينة    
22 ماي 2011 100 مدينة    
5 يونيو 2011 80 مدين    
12 يونيو 2011 40 مدينة  
المصدر: من إعداد الباحث بناءاً على المعلومات المستقاة من المراجع التالية:
-  حركة 20 فبراير محاولة في التوثيق، منشورات منظمة الوسيط من اجل الديمقراطية وحقوق الانسان، الرباط، 20 فبراير 2015. ص 20- 39.
- Ismail Hamoudi, Le Mouvement du 20 Février, Identité, Evolution et Perspectives, Revue Marocaine des Sciences Politiques et Sociales, Hors-Série, Volume IV, Mars 2012
إن قراءة أولية للأرقام أعلاه تكشف أن اتجاه تطور التظاهرات والاحتجاجات حصل بشكل تصاعدي منذ أول يوم احتجاج وحتى يوم 15 ماي، حيث أن عدد المدن التي نظمت مسيرات بدأ في النزول إلى حدود 30، ثم عاود الصعود من جديد إلى  100  مدينة في 22 ماي، قبل أن تعاود النزول من جديد إلى 80 مسيرة يوم 5 يونيو، وإلى نحو 40 مدينة يوم 12 يونيو، وهي المحطة التي كانت معبئة بدعوة "رفض الدستور الذي كان يطبخ في دهاليز القصر الملكي"، ولمطالبتها " بمجلس تأسيسي لوضع دستور جديد".
ثانياً: قراءة في بعض تجارب الحركة على المستوى التنظيمي
استكمالاً للبحث حول حركة 20 فبراير، وبعد ان قمنا بدراسة الجوانب النظرية والسياسية، كان لزاماً علينا ان نتطرق للجانب التنظيمي للحركة، كعمل يهدف إلى معرفة طرق اشتغال وتحرك الناشطين للتحضير للفعل الاحتجاجي، هذا العمل والذي وجدنا فيه صعوبة في الحقيقة، نظراً لان الحركة ليست بتنظيم يتحرك وفق قنوات وهياكل مؤسسة، بل هي حركة جماهيرية، ودينامية مجتمعية، تسمح لكل فرد أو جماعة الانخراط والنضال من داخلها، بما يتماشى مع اهدافها.
مما جعلنا نلجأ لطرق البحث الميداني، عبر اجراء مقابلات نصف موجهة مع بعض من الناشطين والمتتبعين لمسار الحركة منذ انطلاقاتها، اضافة للتواصل الالكتروني مع بعض من نشطاء الحركة في كل من مدينة الدار البيضاء وطنجة، عبر ارسال استبيان مكون من أسئلة تغطي مختلف جوانب اشتغال الحركة داخل هذه المدن.
وقد اخترنا ان نعمل على دراسة تجربة الحركة على المستوى التنظيمي، بالتعاطي مع تنسيقية الرباط، ومع تنسيقية الحركة بمدينة الدار البيضاء، وتنسيقية مدينة طنجة، ولعل السبب في اختيار هذه النماذج، يعود للأسباب التالية: 
تنسيقية الرباط، باعتبارها تشتغل في عاصمة البلاد، حيث المركز السياسي، والحضور الاعلامي والمؤسساتي، لجهة تخاطب الحركة مع صناع القرار.
تنسيقية الدار البيضاء، نظرا لتحركها وسط أكبر الحواضر ديمغرافيا واقتصاديا في البلاد، ومن هذه المدينة خرجت مجمل الانتفاضات، التي عرفها المغرب في تاريخه المعاصر.
تنسيقية الحركة بمدينة طنجة، كانت هذه المدينة وعلى مر تاريخ المحطات الاحتجاجية لحركة 20 فبراير، تعرف اكبر حضور من حيث أعداد المشاركين.
حركة 20 فبراير والحد الادنى من التنظيم
بهدف مواكبة حركية الجماهير وضبط ممارسة النشطاء والمتعاطفين، وبما يميزها عن الاطارات التنظيمية كالأحزاب والنقابات من جهة، وبما يجعلها تختلف عن الحركات الاحتجاجية والاجتماعية التي عرفها المغرب في السابق، العفوية والقصيرة الامد، أو ذات المطالب الفئوية والمحدودة مناطقياً وجغرافياً،  لجأت حركة 20 فبراير لما يسمى بالجمع العام، وهو بمثابة هيئة أو برلمان للحركة، يحضر فيه كل النشطاء والمناضلين المؤمنين بمطالب الحركة، وفيه يتم رسم التوجهات والمبادرات وتتخذ فيه كل البرامج والخطط النضالية عبر التوافق، وفق برنامج غالباً ما يكون اسبوعياً يبدأ من يوم الاثنين وينتهي يوم الاحد.
حركة 20 فبراير من أجل تفعيل المبادرات والبرامج النضالية للحركة، فإنها شكلت مجموعة من اللجان الوظيفية، اختلفت من تنسيقية لأخرى، لكنها في اغلبها كانت تتمحور حول خمسة لجان وهي:
لجنة المالية: مهمتها كما يدل اسمها هي جمع المال  وضبط الحسابات، والموافقة والاشراف على نفقات مختلف اللجان، ومتابعة كل ممتلكات الحركة. اللجنة ملزمة بتقديم تقاريرها المالية للجمع العام للحركة بهدف مراقبة المالية والموافقة عليها. 
لجنة اللوجيستيك: تهتم بإعداد وطباعة كل اللافتات والمطبوعات الدعائية التي تحتاجها الحركة، اضافة إلى شراء وصيانة مكبرات الصوت Méga Phone وجميع الادوات والمعدات الكفيلة بإنجاح سير التظاهرات وتغطية حسن سير اشتغال الحرك ونشطائها.
لجنة الشعارات: تقوم هذه اللجنة بتلقي الشعارات المقترحة من طرف المناضلين ومختلف الناشطين والمتعاطفين مع الحركة، ومن بعد يتم نقاشها وتحسينها وضبطها كتابياً، بهدف انتقاء المناسب والمتوافق منها مع الارضية التأسيسية لحركة 20 فبراير وبما يصب في أهدافها ومطالبها، على أن يتم المصادقة على المقبول منها وتقديم المختلف بشأنها للجمع العام لنقاشها. ويحق للجنة الشعارات رفض كل الشعارات التي لم يتم المصادقة والقبول بها أثناء سير المسيرات وخلال مختلف تجمعات الحركة، كما أنها تلزم كل من يريد أن يرفع الشعارات خلال التظاهرات، ان يقدم شعارته مكتوبة قبل السماح له برفعها. وفي حالة توفرت لدى اي متظاهر اقتراحات لشعارات جديدة، فالحركة في نهاية المطاف حركة جماهيرية وهي ملك لكل من يدافع عن مطالبها وأهدافها.
لجنة الاعلام: تسهر هذه اللجنة على نشر كل ما يقرره أو يوصي بنشره الجمع العام للحركة، لنقله للجماهير وللراي العام، وذلك عبر كل الوسائل المتاحة، من بيانات وبلاغات، وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، ومختلف المواقع الالكترونية والجرائد والمجلات الورقية.
لجنة اليقضة: تحرص هذه اللجنة على حسن التنظيم وسلامة المشاركين في مختلف انشطة وتجمعات وتظاهرات الحركة، وتظم هذه اللجنة مجموعة من الفرق والمجموعات لا تتجاوز في الغالب خمسة افراد من نشطاء الحركة، يتوزعون على مختلف جنبات المسيرات والتجمعات الجماهيرية حرصاً على سلامة المتظاهرين، وتفادياً لدخول بعض المندسين الذين يريدون اثارة الشغب والاساءة لصورة الناشطين والمتظاهرين، وهم في الغالب يتحركون وفق اجندة تابعة لأجهزة المخابرات أو بعض الاطراف المعادية لحركة 20 فبراير.
لجنة الابداع: كانت هذه اللجنة تواكب مختلف الافكار والمبادرات التي تبتكر اشكال تعبيرية وفنية، أو تأتي باقتراحات واساليب نضالية جديدة ومعبرة، قصد النهوض بها وتقديم الدعم والتشجيع لها، بهدف تقديمها في مختلف انشطة الحركة سواء في التظاهرات أو في الساحات العمومية، وقد برزت هذه الاشكال الابداعية التعبيرية اكثر بمدينة الرباط والدار البيضاء.
لجنة التنسيق: ومسؤوليتها هي التنسيق بين المجلس الوطني لدعم الحركة، ومختلف اللجان التابعة للحركة، وكذلك السهر على نقل قرارات الجمع العام لأعضاء المجلس الوطني لدعم الحركة، بهدف الاطلاع على التوجهات العامة لسير الحركة وللالتزام والامتثال ببرامجها النضالية، والحرص على توفير كل وسائل الدعم لإنجاح انشطة ومسيرات الحركة. 
خاتمة
أوضحت الدراسة بأن حركة 20 فبراير جاءت نتيجة عجز وضعف الأحزاب السياسية ونخب المجتمع التقليدية، وبعد إدراك كثير من الفاعلين والنخب بأن تحقيق مهام التحول الديمقراطي، هو رهين بخلق ميزان قوى جديد من داخل المجتمع، كعامل ضاغط وداعم لجعل النظام السياسي يقدم على تلبية مطالب المحتجين ويحقق تطلعاتهم.
الدراسة ترى بأن مخرجات النظام السياسي الدستورية والسياسية، (الاصلاح الدستوري لفاتح يوليوز2011، انتخابات تشريعية مبكرة يوم 25 نونبر من نفس السنة)، وان استطاعت في تحقيق نجاحاً نسبياً، تمثل في لجم وكبح تطور الحركة الاحتجاجية،  وفي تدبير موجة الربيع العربي بأقل الخسائر، كخطوات تفاعلية منه مع مدخلات البيئة المجتمعية، التي أفرزها الشارع المحتج والمتمثلة في المطالب المرفوعة من قبل حركة 20 فبراير. لكنها تؤكد بأن هذا النجاح سرعان ما سوف يتبدد اما ظهور مزيد من الحركات الاحتجاجية، ذات المطالب المتعلقة بالتنمية والعدالة الاجتماعية والمناطقية، او تلك الساعية الى تحقيق مطلب الاصلاح السياسي والبناء الديمقراطي، ما دامت نفس الشروط الموضوعية المرتبطة بالمحددات الاقتصادية والاجتماعية للظاهرة متوفرة، وما دامت قضايا الاصلاح السياسي وتحقيق التحول الديمقراطي تجري بعيداً عن قناعات واهتمامات الماسكين بالسلطة. 
 توفيق عبد الصادق، أكاديمي مغربي/ حاصل على الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية
Taoufik.1818@gmail.com 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق