مدرجات الملاعب: من الفرجة الى الاحتجاج - مدونة تحليل السياسات

اَخر المشاركات

منصة إلكترونية تعنى بقضايا المعرفة السياسية

الاثنين، 29 أكتوبر 2018

مدرجات الملاعب: من الفرجة الى الاحتجاج

ذ.الأمراني علوي محمد


في سياق الاحتقان الاجتماعي الذي يعرفه المغرب منذ أواخر سنة 2016، بداية من الحراك الريفي وما استتبعه من حركات احتجاجية في المدن الهامشية مثل زاكورة وجرادة، ثم مقاطعة بعض المنتوجات الاستهلاكية، واللجوء الى الهجرة السرية بالشمال، في سياق الوضع الاجتماعي المأزوم  تبرز ملاحظة جوهرية تتجلى في الانتقال من حركات احتجاجية مركزيتها الساحات العمومية الى فضاءات أخرى مثل مدرجات الملاعب، ما يجعلنا نتساءل، ألم تعد الساحات العمومية كفضاء احتجاجي تقليدي مغريا للاحتجاج وبث المطالب لتصل لمن يدبر الشأن العام؟
"في بلادي ظلموني، لي من نشكي حال، شكواي للرب العالي، فقط هو من يدري بأحوالي، فهاد البلاد عايشين في غمامة، نطلب سلامة أنصرنا يا مولانا، صرفوا علينا حشيش الكتامة جعلونا كيف اليتامة، ستحاسب يوم القيامة، مواهب ضيعتوها بالدوخة هرستوها، كيف بغيتو تشوفها، لبلاد كاع كليتوها والبراني عطيتوها ...، هكذا صدحت حناجر جماهير الرجاء البيضاوي في المدرجات وأطلقت عليها عنوان "في بلادي ظلموني"، عنوان يثوي الكثير من الرسائل، وفي مواكبة للنقاش حول تضمين بعض المقررات الدراسية كلمات من اللغة العامية سترفع الجماهير أيضا شعار "فالقبة التكركير والمقرر البغرير ".
ليس الأمر مقتصرا على جماهير العاصمة الاقتصادية، بل في غمرة تنامي الهجرة السرية، ستختار الجماهير التعليق عليها من خلال المدرجات، حيث رفع جمهور المغرب التطوانيشعار"كلنا مجندون للهجرة"، ثم جمهور اتحاد طنجة الذي اختار شعار" إذا خوات الكورفا اعرف ولادك فالغوربة".
لم يعد الأمر عابرا، بل غدت مدرجات الملاعب مكانا تختاره الجماهير في كل مناسبة كروية للاحتجاج على سياسة مدبري الشأن العام ورفع شعارات سياسية، بعدما كانت مكانا للمساندة والفرجة ورفع شعارات وأغاني حماسية تشجيعية للفريق، وأحيانا أخرى احتجاجا على الإدارة المسيرة للفريق كما يشهد المتتبع للشأن الكروي، لكن أن تغدو مكانا للاحتجاج السياسي ومواكبة لما يعتمل الحقل السياسي والاجتماعي يجعلنا نركنلزاوية سؤال هذا التحول والاختيار.
إن الانحباس الاجتماعي والسياسي الذي غدت ملامحه بادية وليست خافية على أحد، التعبير عنه في فضاءات كانت بالأمس بالقريب بمنأى عن الشعارات السياسية والاحتجاج، فالحراك في الريف مثلا عرف إبداعا احتجاجيا على مستوى الشكل والمكان، إذا نجد ما أطلق عليها أنداك بطنطة واطفاء الأضواء، الاحتجاج في البحر... اليوم نشهد اتساعا في رقة الحيز المكاني للاحتجاج يتمثل في مدرجات الملاعب.   
هل يتعين علينا أن ننظر الى هذا الفعل والتحول كتمظهر لعجز المؤسسات من احتواء النقاشات والأزمات، ولجوء الجماهير لقنوات بديلة للاحتجاج على الوضع الاجتماعي والسياسي، من ضمنها مدرجات الملاعب، دون الاغفال هنا أن الجماهير تجتمع في إطار تنظيمي "الألتراس"، الذي يضم عدد لا يستهان بهمن المساندين للفريق، ورفع شعارات بطريقة منظمة ومحبوكة تتخللها لوحات تعبيرية بالجسد وفي غاية الحماسة، وأحيانا رفع ما يسمى بالتيفو" كلوحة تشكلية تعبيرية، تمتد على طول جنبات الملعب وما يمكن أن يحمله من رسائل موضوعة بحرفية وهندسة.
إنه من غير الممكن اليوم تطويق أمكنة الاحتجاج والمعارضة، التي تعرف اتساعا وتنوعا على مستوى الفضاء وعلى مستوى الشكل الاحتجاجي، وعلى مستوى الحيز الجغرافي، أذ يتضح أن كل رقعة جغرافية قابلة للتصبح بؤرة للاحتجاج وذلك نتيجة للوضع الاجتماعي المتأزم وفشل السياسات الاجتماعية.

باحث في العلوم السياسية



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق