دور الإعلام الاجتماعي في تشكيل الفعل الجماعي(01) - مدونة تحليل السياسات

اَخر المشاركات

منصة إلكترونية تعنى بقضايا المعرفة السياسية

الأربعاء، 8 أغسطس 2018

دور الإعلام الاجتماعي في تشكيل الفعل الجماعي(01)

ذ.محمد ضريف



شكل التوسع الهائل الذي عرفه الإنترنت خلال القرن 21، وانتشار تكنولوجيا الهواتف النقالة فرصة لتعزيز وإنعاش الإعلام الاجتماعي، باعتباره مجموعة من التقنيات التي تسمح للأفراد بالتفاعل فيما بينهم، ليس فقط حول حياتهم الحميمية اليومية، بل حتى حول القضايا السياسية والاجتماعية التي تكتنف مجتمعاتهم، وهذا ما تم التعبير عنه عند بداية ما سمي ب"الربيع العربي" مع مطلع سنة 2011، فهذه "الرجة الثورية" كشفت عن الدور الذي لعبته المواقع الاجتماعية في تعبئة الناس للاحتجاج في العديد من البلدان العربية والمغاربية كتونس ومصر وسوريا والمغرب. ففي هذه البلدان تشكلت المئات من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مثل "الفايسبوك" و"التويتر" و"يوتوب" تدعو الناس من خلالها للاحتجاج ضد أنظمتهم السلطوية والاستبدادية. 




أضحى الإعلام الاجتماعي والتكنولوجيا الرقمية في المغرب منذ سنة 2011 منصة أساسية للتفاعل بين النشطاء الاجتماعيين للتعبير عن سخطهم وغضبهم إزاء ممارسة الدولة أو للاحتجاج على بعض القرارات الحكومية، أو عندما يتعرضون للتعنيف من طرف الشرطة، فهذه الفضاءات الرقمية سمحت لهم بالتعبير أيضا عن أفكارهم ومواقفهم وتصوراتهم اتجاه القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والهوياتية التي يعيشونها؛ فالإعلام الاجتماعي في السياقات السلطوية يعتبر وسيلة قوية وحيوية لدى الحركات الاجتماعية للتعبير عن وجودها والتعبئة من أجل تحقيق مطالبها.

دفع الحراك الاجتماعي الذي شهدته تونس ومصر العديد من الشباب في المغرب إلى الإعلان عن تشكيل حركة اجتماعية أطلق عليها "حركة 20 فبراير"، وذلك عند نشرهم لأشرطة على مواقع "يوتوب" و"الفايسبوك" معلنين عن ميلاد حركة اجتماعية مغربية، تسعى إلى تحقيق جملة من المطالب الاجتماعية والسياسية، فمن خلال هذه الأشرطة استطاعت الحركة أن تكسب الآلاف من المتعاطفين الذين تفاعلوا مع مطالبها في وقت وجيز، وهو ما أظهرته المسيرة الحاشدة بالرباط يوم 20 فبراير 2011.

من خلال هذه التوطئة، تسعى هذه الورقة إلى الكشف عن دور الإعلام الاجتماعي في الحراك المغربي الذي قادته حركة 20 فبراير، وذلك من خلال الوقوف عند الطريقة التي ظهرت بها، وكيفية اتخاذها للإعلام الاجتماعي أداة للتعبئة السياسية لتحقيق أهدافها، بالإضافة إلى البحث عن الإطار(Framing) الذي شكلته الحركة لبناء معناها الهوياتي.

ستحاول هذه الورقة الإجابة عن الإشكالية الآتية: كيف ساهم الإعلام الاجتماعي في تسهيل وتعزيز الفعل الجماعي لحركات 20 فبراير؟ كما ستحاول هذه الدراسة الإجابة عن الأسئلة الفرعية التالية: ماذا نقصد بكل من الإعلام الاجتماعي والفعل الجماعي؟ كيف عبرت حركة 20 فبراير عن نفسها؟ ما هي الأطر الإعلامية التي استعملتها للتعبئة؟ كيف ساهم الإعلام الاجتماعي في تشكيل هوية نشطاء الحركة؟ هل اتخذت الحركة الإعلام الاجتماعي وسيلة للتعبئة فقط أم من أجل خلق معاني وإطارات للفعل الجماعي؟ 

إن اعتماد الإعلام الاجتماعي كمدخل لفهم دينامية الفعل الجماعي لحركة 20 فبراير، ارتبط ببروز عدة دراسات غربية حديثة تؤكد على دور وسائل الإعلام في عملية التغيير الاجتماعي والسياسي الديمقراطي للمجال العام، وتعبئة الإرادة الجماعية للتغيير والإصلاح[2].


المحور الأول: الإطار النظري والمفاهيمي

يحاول هذا المحور الوقوف عند أهم الأطر النظرية والمفاهيمية التي سيتم اعتمادها في هذه الدراسة، فالأطر النظرية(Frameworks) باعتبارها أدوات تحليلية تساعدنا على إماطة اللثام عما هو خفي في الواقع الاجتماعي، كما تعتبر المفاهيم(concepts) أداة من أدوات المعرفة، فهي وسيلة يستنير بها الباحث في بحثه لضبط حدوده وبناء منهجه[3].

لفهم دينامية حركة 20 فبراير في علاقتها بالإعلام الاجتماعي، تطلبت منا هذه الورقة الوقوف عند مفهوم "الفعل الجماعي" (Collective Action) كما تبلور داخل نظرية الحركات الاجتماعية، وعند مفهوم "الإعلام الاجتماعي" كما تشكل داخل"نظرية الإعلام الجديد".(New Media Theory)

أولا: الفعل الجماعي (Collective Action)

يعرف "Herbert Blummer" الفعل الجماعي بأنه ذلك النشاط الجماعي الذي يأخذ غالبا شكل تصورات ومشاعر غير منظمة، ثم يصبح تدريجيا مع مرور الوقت، ذلك الكيان المتميز والمعبر عن أنماط جديدة من الاعتقاد والسلوك الجمعي، الذي لا يجد منفذا للتعبير عن مطالبه من خلال القنوات التقليدية، فيتحول إلى قوى منظمة تسعى لهدم الأنماط الاجتماعية السائدة، لتستبدلها بأخرى تكون أكثر انسجاما مع مصالحه[4]، كما يعرفه" kikkan" بأنه "مجموعة من الأفعال الجماعية التي تتمايز عن الأنشطة التنظيمية والمؤسسية"، في حين ينظر إليه "Kate Nash" على أنه "شبكة من التفاعلات التعددية بين الأفراد والجماعات أو المنظمات"[5].

رغم الاختلافات التي تطرحها هذه التعريفات حول تحديد مفهوم موحد للفعل الجماعي، إلا أن الباحثين في الحركات الاجتماعية وضعوا بعض الخصائص العامة التي تسم هذا الفعل، والتي من أهمها:

1) أنه جهود جماعية مقصودة لمجموعة من الأفراد ذوي معتقدات ومصالح مشتركة، يرغبون في تحقيق أهداف خاصة، ولا يستطيع كل فرد منهم تحقيقها بمفرده؛

2) الإرادة الواعية للأعضاء، فالحاجة للتغيير داخل تنظيم ما، تقتضي بالضرورة وجود فئات واعية ومدركة لهذه الحاجة، وبالتالي فإنها تعمل على تحقيق هذا المطلب؛

3) سعيه إلى إحداث تغيير ما في النظام الاجتماعي القائم؛

4) وجود حد أدنى من التنظيم[6].


ثانيا: الإعلام الاجتماعي (Social Media)

يرتبط "الإعلام الاجتماعي" بالتطور التقني الذي طرأ على استخدام التكنولوجيا الحديثة، وأُطلق على كل ما يمكن استخدامه من قبل الأفراد والجماعات على شبكة الإنترنت.

كما يشار إلى أنه"الطرق الجديدة في الاتصال في البيئة الرقمية التي تسمح للمجموعات الأصغر من الناس بإمكانية الالتقاء والتجمع على الإنترنت وتبادل المنافع والمعلومات، وهي بيئة تسمح للأفراد والمجموعات بإسماع صوتهم وصوت مجتمعاتهم إلى العالم أجمع"[7].

ويعرف "زاهر راضي" مواقع التواصل الاجتماعي بأنها: "منظومة من الشبكات الإلكترونيّة التي تسمح للمشترك فيها بإنشاء موقع خاص به، و من ثم ربطه عن طريق نظام اجتماعي إلكتروني مع أعضاء آخرين لديهم نفس الاهتمامات والهوايات"[8].

أما كلية "شريديان التكنولوجية" Sheridan فقد عرفت"الإعلام الاجتماعي" بأنه نوع من "أنواع الإعلام الرقمي الذي يقدم في شكل رقمي وتفاعلي، ويعتمد على اندماج النص والصورة والفيديو والصوت، فضلا عن استخدام الحاسوب كآلية رئيسية له في عملية الإنتاج والعرض؛ والهدف من هذه الصيرورة العملياتية هو خلق التفاعلية التي تشكل أهم سماته.

وختاما يمكن اعتبار "الإعلام الاجتماعي" مجموعة متنوعة من أشكال التكنولوجيا ذات الخصائص المستحدثة على عكس التقنيات التقليدية، لاسيما في قدرته على تشكيل النزعات الفردية، وتملكه لميزة التفاعلية التي تجعله قادرا على الربط بين الأفراد والجماعات بشكل تفاعلي، بحيث مكنهم من إيصال رسائلهم إلى من يريدون وفي الوقت الذي يريدون، وبطريقة واسعة الاتجاهات وليس من أعلى إلى أسفل وفق النموذج الاتصالي التقليدي.

كما تقوم هذه المواقع الاجتماعية على تطبيقات الواقع الافتراضي الذي تجاوز مفهوم الدولة الوطنية والحدود الدولية نظرا لميزة الفردية والتخصيص التي تتسم بها[9]. ومن بين أهم وسائل الإعلام الاجتماعي التي تم اعتمادها في الحراك المغربي الذي قادته حركة 20 فبراير، كان "الفايسوك" و"اليوتوب":

1- الفيسبوك

هو موقع اجتماعي على شبكة الأنترنيت أطلق في 04 فبراير 2004، يمكن مستخدميه من الاشتراك المجاني فيه والانضمام إلى عدة شبكات فرعية من الموقع نفسه، بهدف البحث عن أصدقاء المدرسة أو الجامعة أو المجتمع بشكل عام، كما يتيح لهم إمكانية التعرف على أشخاص جدد من مختلف أنحاء العالم الموجودين في الشبكة نفسها، ويسمح الموقع أيضا بتواصل أفراده فيما بينهم عبر الدردشة الإلكترونية ((chat language أو البريد (inbox) ، وبإرسال الصور(photos) والأخبار (news feed)، وعرض المناسبات (events) وتبادل المعايدات في أعياد ميلاد الأصدقاء أو المناسبات الاجتماعية المختلفة، وتبادل النصائح والمشاعر والتعليق (comments)على كل تفاصيل الحياة الفايسبوكية.

كما باستطاعة من يشاء من الأعضاء أن ينشئ المجموعة (group) التي يرغب فيها ويدعو أصدقاءه للانضمام إليها، وقد تكون هذه المجموعات فنية، أو أدبية، أو ثقافية، أو سياسية، أو اقتصادية، أو إعلانية...إضافة إلى الاستفادة من عشرات الألعاب التفاعلية مثل البوكر (poker) أو ألعاب الحروب (Fighting Games) أو ألعاب السيارات (racing Games) وغيرها[10].

2- اليوتوب

اليوتوب "Youtube "عبارة عن موقع إلكتروني يعرض أشرطة متنوّعة في شتّى المجالات، ويسمح لمستخدميه بمشاهدة حيّة للفيديوهات التي يعرضها بشكل مباشر ودون الحاجة إلى تحميل للفيديو، أو إنشاء حساب خاص للمشاهدة، كما يمنح مشاهديه فرصة التعبير عن رأيهم بالفيديو عن طريق إبداء إعجابهم به أوعدمه، أو عن طريق إضافة تعليقهم على الفيديو الذي يشاهدونه، بالإضافة إلى تقديمه خدمات أخرى مجانية، مثل رفع فيديوهات أو إنشاء قناة ضمنه، شريطة أن يكون للمستخدم حساب خاص على اليوتوب.

إن عملية إنشاء حساب على اليوتوب يتطلب من مستخدميه الذهاب إلى موقع "youtube.com" و الضغط على "sign in" الموجودة في أعلى يمين الصفحة، والتي ستنقله إلى صفحة أخرى تطلب منه إدخال حسابه على google Gmail والذي يدخله مباشرة إلى حساب يوتيوب، أمّا إذا لم يكن يمتلك حسابGmail، فيستطيع إنشاء حساب جديد بالضغط على Create account الموجودة أسفل الصفحة، ثمّ ينتقل إلى صفحة أخرى لتعبئة بياناته الخاصة وإنشاء الحساب الذي هو نفسه حساب يوتيوب؛ وآنذاك يستطيع رفع ما يرغب من فيديوهات، فبالضغط على" Upload" الموجودة أعلى يمين الصفحة، ينتقل إلى صفحة أخرى ليستطيع من خلالها تحديد الفيديو الذي يريد تحميله من جهازه ورفعه على اليوتيوب، وبعد تحديد الفيديو المرغوب فيه، يضع العنوان والوصف المناسب له، ثمّ ينقر على "Publish لنشره على صفحة الموقع.

كما يُمكن "يوتيوب" مستخدميه من إنشاء قناة خاصة بهم، لعرض محتوى تعليميّ، أو فكاهيّ، أو محاضرات أو حتّى إعلانات لمنتجاتهم، أو أي أشرطة أخرى في مجالات متنوعة، حسب مجال القناة التي يرغبون في إنشائها، ويستطيعون إنشاء القناة بالضغط على My Channel الموجودة على يسار الصفحة[11].

وقد أدت هذه التقنية أيضا دورا مهما خلال الحراك العربي والمغاربي من خلال عرضها لبعض الأحداث التراجيدية كصور "محمد البوعزيزي" عندما كان يحترق، أو لأشرطة تظهر التدخل العنيف للشرطة في حق المتظاهرين في البلدان التي شهدت هذا الحراك.

المحور الثاني: السياق السياسي والاجتماعي لبروز حركة 20 فبراير

شهدت المنطقة العربية والمغاربية مع مطلع سنة 2011 احتجاجات عارمة، قادتها مجموعة من الحركات الاجتماعية، التي طالبت بإصلاحات سياسية واقتصادية من شأنها أن ترمم أعطاب الدولة الوطنية التي أنهكتها عقود من "الاستبداد" و"الفساد"، ف"الرجة العربية" كانت فرصة سياسية political opportunity لبروز حركة 20 فبراير في الفضاء العام المغربي، وخروجها للاحتجاج في شوارع المملكة معلنة بذلك عن تشكيل فعل جماعي جديد.

أولا: السياق الإقليمي: رجة الربيع العربي

تبلور مفهوم "الربيع العربي" داخل الإعلام الغربي، لوصف تلك الاحتجاجات الضخمة التي انطلقت في بعض البلدان العربية عند نهاية سنة 2010 ومطلع عام 2011 متأثرة بالثورة التونسية التي اندلعت جراء إحراق الشاب محمد البوعزيزي لنفسه احتجاجا على سوء المعاملة التي تلقاها من طرف الشرطة التونسية؛ مما أدى إلى الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي من سدة الحكم. وفي ظل هذا السياق ظهرت ثورة 25 يناير المصرية التي تكللت بدورها بإسقاط الرئيس محمد حسني مبارك، كما اجتاحت هذه الرجة الثورية كل من ليبيا واليمن وسوريا، فثورة 17 فبراير الليبية التي انتهت بمقتل الزعيم الليبي معمر القدافي وإسقاط نظامه، وفي اليمن ظهرت ثورة الشباب اليمنية يوم الجمعة 11 فبرابر عام 2011 من أجل الإطاحة بنظام الرئيس علي عبد الله صالح الذي استحوذ على حكم البلاد لمدة 33 سنة. أما بالنسبة لسوريا فقد عرفت انتفاضة شعبية انطلقت يوم الثلاثاء 15 مارس عام 2011 في تحد غير مسبوق لنظام بشار الأسد.

لم تقف هذه الموجات الاحتجاجية عند حدود باب الجمهوريات، بل طالت حتى الأنظمة الملكية كالبحرين والمغرب والسعودية، فبالرغم من الطابع الملكي/الوراثي لهذه الأنظمة، فهي تتقاسم مع رؤساء الجمهوريات السابقة النزعة السلطوية والاستبدادية نفسها. فما يميز هذه الرجة الثورية التي طالت الفضاء العربي والمغاربي، أنها "على عكس حالات التغيير السياسي في الماضي، ليست موجهة ضد عدو أجنبي، وأن مطالبها تتعدى الدعوة إلى تلبية الحاجات المادية للمواطنين إلى قضايا غير مادية مثل الحرية والكرامة ومحاربة الفساد، ثم إن محركها الأول والأساسي هو الشارع، المجتمع المدني، وليس الجيش أو الأحزاب المنظمة كما كان الأمر في حالات أو محاولات التغيير السابقة"[12].

طرح الحراك العربي جملة من الأسئلة على الباحثين وصانعي القرار حول الأسباب الثاوية وراء بروز موجات الحركات الاحتجاجية التي اجتاحت العالم العربي، فهناك من الباحثين من أعزاها إلى غياب الحريات والحقوق ومسألة التداول على السلطة وغياب التعددية السياسية، باعتبارها تشكل المنظومة الديمقراطية التي تبحث عنها الشعوب العربية منذ عقود طويلة، وقد أتاحت لها هذه الثورات والاحتجاجات التي بشر بها الربيع العربي، الفرصة الكاملة لنيلها، ولو بتقديم الكثير من التضحيات والجهود والطاقات. في حين هناك من الباحثين من ربط الربيع العربي بالعامل الاقتصادي، والذي يتصدر قائمة المطالب باعتباره المحرك الأكبر لأحداث الربيع العربي.

كما ساهم تنامي حالة الإحباط واليأس والتذمر لدى الشعوب والمجتمعات العربية جراء الأزمات البنيوية التي تعتري البنيات الأساسية لمؤسسات الدولة من صحة وتعليم وأمن، بالإضافة إلى استشراء الفساد في مفاصل الدولة، مما أدى إلى تعطيل مسارات التنمية الاقتصادية والسياسية المنشودة من قبل الشعوب العربية، التي وجدت نفسها في كنف السلطوية منذ تأسيس الدولة الوطنية بعد الاستقلال السياسي.

إن المغرب بوصفه دولة تنتمي إلى الفضاء الثقافي والتاريخي المغاربي والعربي، لم تسلم بدورها من رياح هذا الربيع، الذي أسقط أنظمة عاتية عمرت في الحكم لعقود خارج أي شرعية ديمقراطية، وهو ما تم التعبير عنه في الاحتجاجات العارمة التي قادتها حركة 20 فبراير، وإن كانت امتدادات هذه الموجة الاحتجاجية في السياق المغربي متميزة بخصوصيتها، كما سنرى في العنصر الموالي.

ثانيا: السياق المحلي: حركة 20 فبراير

عرف المغرب مثله مثل باقي الدول العربية والمغاربية، ظهور حركة احتجاجية شبابية اتساقا مع موجة الحركات الاحتجاجية التي عرفتها المنطقة، لكن ما ميز الحركة المغربية أنها لم تؤد إلى قيام انتفاضة شعبية كبيرة تسقط النظام السياسي القائم في البلاد، كما هو الحال في تونس ومصر، ولم توأد في مهدها كما هو الحال في الجزائر[13]. فبعد نجاح الثورة التونسية وسقوط نظام زين العابدين بن علي، دعا شباب مغربي على مقطع فيديو قصير إلى التظاهر يوم 20 فبراير 2011، وهو التاريخ الذي ارتبط باسم الحركة، وهكذا تأسست حركة 20 فبراير المؤلفة من ثلاث مجموعات: «حرية وديمقراطية الآن«و«الشعب يريد التغيير« و«من أجل الكرامة، الانتفاضة هي الحل«والتي تهدف إلى ما سمته استعادة كرامة الشعب المغربي.

حيث حدد بيانها التأسيسي ليوم 14 فبراير 2011 أهم مطالبها في مايلي:«في ظل ما يعيشه الشعب المغربي اليوم من احتقان اجتماعي والإحساس بالإهانة والدونية، وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين بسبب تجميد الأجور والارتفاع الصاروخي للأسعار، والحرمان من الاستفادة من الخدمات الاجتماعية الأساسية (الصحة، التعليم، الشغل، السكن...) كل هذا في ظل اقتصاد تبعي ينخره الفساد والغش والرشوة والتهرب الضريبي ومناخ حقوقي يتسم بالقمع الممنهج لحرية الرأي (الاعتقالات المتتالية، منع حق التظاهر، قمع حرية الصحافة...). وإيمانا منا كـ "شباب 20 فبراير" أن تراكم المعضلات الاجتماعية يرجع بالأساس إلى الاختيارات السياسية وبنية النظام السياسي المغربي المناهض لمصالح أبناء الشعب الفقراء، نطالب ب:

- دستور ديمقراطي شكلا ومضمونا يمثل الإرادة الحقيقية للشعب؛

-تغيير نمط الحكم من ملكية دستورية إلى ملكية برلمانية حيث كل السلطة و السيادة للشعب؛

- حل الحكومة والبرلمان وتشكيل حكومة انتقالية مؤقتة تخضع لإرادة الشعب؛

- قضاء مستقل ونزيه؛

- محاكمة المتورطين في قضايا الفساد واستغلال النفوذ ونهب خيرات الوطن؛

- الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب العربية والاهتمام بخصوصيات الهوية المغربية لغة ثقافة وتاريخا؛

- إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي ومحاكمة المسؤولين؛

- الإدماج الفوري والشامل للمعطلين في أسلاك الوظيفة العمومية؛

- ضمان حياة كريمة بالحد من غلاء المعيشة والرفع من الحد الأدنى للأجور؛

- تمكين عموم المواطنين من ولوج الخدمات الاجتماعية وتحسين مردوديتها؛

وبذلك ندعو عموم الأحرار بمغربنا العزيز للمساهمة ودعم هذه المبادرة والمشاركة بكثافة في إنجاحها وجعل يوم 20 فبراير يوما وطنيا سلميا للكرامة، والتزامنا بالعمل مع الجميع لتوحيد الجهود من أجل الكرامة والعدالة والمواطنة»[14].

تكشف مطالب حركة 20 فبراير عن تنوع في مضامينها، فهي تتراوح بين حقوق الإنسان، العدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد والاستبداد؛ إذ شكلت هذه التصورات والرؤى نقطا مشتركة بين أغلب مكونات الحركة، وقد اشتركت القوى الإسلامية واليسارية في مطلب محاربة اقتصاد الريع والامتيازات الملكية في المجال الاقتصادي، إلى جانب نقدها اللاذع لرموز النظام[15].

مثل يوم 20 فبراير 2011 لحظة فارقة في التاريخ السياسي المغربي المعاصر، نظرا للتعبئة الكبيرة التي قامت بها حركة 20 فبراير؛ إذ خرج أزيد من 200.000 مواطن للاحتجاج في أكثر من 53 مدينة من كل أنحاء المغرب، مدعومة بكل الأطياف الإيديولوجية والسياسية، باختلاف مرجعياتها الفكرية من اليساري الراديكالي إلى الإسلامي العدلي، بالإضافة إلى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان[16]، مطالبين بإصلاح مؤسسات الدولة التي أنهكتها عقود من الفساد والاستبداد.

كانت اللحظة الفبرايرية فرصة سياسية للمعارضة غير الممثلة في البرلمان، لتأكيد مطالبها السياسية من جهة، وللخروج في صفوف الحركة للاحتجاج من جهة أخرى، كما هو الشأن لجماعة العدل والإحسان ذات التوجه الإسلامي، التي وجدت في الحراك المغربي فرصة سياسية لاستعراض قدراتها التعبوية أمام النظام من جهة، ولإرسال رسائل مشفرة إلى الفاعلين السياسيين الذين اختاروا الوقوف إلى جانب النظام السياسي مثل حزب العدالة والتنمية.

شكل نقد رموز النظام أحد أبرز النقط التي التقت حولها مكونات الحركة، وذلك من خلال الشعارات التي حملتها مسيراتها التي انتقدت فيها المحيط الملكي نقدا لاذعا، لاسيما الرجلين المقربين من الملك اللذين نالا الحصة الكبرى من الانتقادات المباشرة، وهما محمد منير الماجدي، الكاتب الخاص للملك الذي يدير استثمارات العائلة الملكية؛ بوصفه حسب الشعارات المرفوعة رمزا "للفساد الاقتصادي"، وفؤاد علي الهمة، الوزير المنتدب في وزارة الداخلية سابقا، ومؤسس حزب الأصالة والمعاصرة، والمستشار الملكي الحالي؛ باعتباره رمزا "للسلطوية السياسية"[17].

لم يكن الحراك المغربي مجرد امتداد للربيع العربي في المغرب فقط، بل كان لحظة واعية في مطالبها وفي أفقها الإصلاحي أيضا؛ فحركة 20 فبراير كانت تعي تمام الوعي الأزمات البنيوية التي تعتري مؤسسة الدولة، فكان من أهم الشعارات السياسية حضورا في مسيراتها: " الشعب يريد دستورا جديدا"، "الشعب يريد ملكية برلمانية"، "الشعب يرفض دستور العبيد" فهذه الشعارات تعكس أعطاب المؤسسات السياسية والدستورية للنظام السياسي المغربي، ولإصلاح هذا الوضع طالبت الحركة بدستور ديمقراطي شكلا ومضمونا يمثل الإرادة الحقيقية للشعب[18].

تستمد المطالب السياسية لحركة 20 فبراير شرعيتها من اللحظة الثورية، التي اجتاحت المنطقة العربية والمغاربية، باعتبارها لحظة تواقة لبناء دولة ديمقراطية تستجيب لروح العصر من جهة، ولبناء دولة المؤسسات والحق والقانون من جهة ثانية.

أنقر هنا الجزء الثاني من الدراسة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق