نزاهة انتخابات 07 أكتوبر في خطاب الفاعل الحزبي(01) - مدونة تحليل السياسات

اَخر المشاركات

منصة إلكترونية تعنى بقضايا المعرفة السياسية

الخميس، 9 أغسطس 2018

نزاهة انتخابات 07 أكتوبر في خطاب الفاعل الحزبي(01)

محمد ضريف


مقدمة:

تعتبر انتخابات 07 أكتوبر 2016 عاشر انتخابات برلمانية يشهدها المغرب منذ استقلاله، والرابعة من نوعها منذ تولي الملك محمد السادس الحكم عام 1999، والثانية بعد دستور2011، الذي نص في الفصل (11) منه على أن "الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي" وأن " السلطات العمومية ملزمة بالحياد التام إزاء المترشحين، وعدم التمييز بينهم".

فرغم مرور أكثر من نصف قرن على الممارسة الانتخابية في الحياة السياسية المغربية، إلا أنها لم تقطع مع العديد من الممارسات السلبية التي كانت تطبع سنوات "الجمر والرصاص"، أكيد أن وزارة الداخلية، لم تعد تتدخل بقوة لترسم الخرائط والنتائج كما كانت تفعل قبل عقود، لكن حضورها "السلطوي الناعم" لازال مستمرا في تدبير العملية الانتخابية.

فانتخابات 07 أكتوبر، جاءت في سياق سياسي متوتر، يتسم بالصراع والتدافع بين الفاعلين السياسيين حول المواقع داخل اللعبة السياسية؛ لذلك تبقى الانتخابات أهم محطة سياسية في نظرهم التي من خلالها يتمكنون من الحفاظ على مواقعهم السياسية والمؤسساتية والوصول إلى الموارد المادية والرمزية. لكن في لعبة حماية المواقع هذه تقع جملة من السلوكيات السلبية التي من شأنها أن تؤثر على سلامة ونزاهة العملية الانتخابية.

فإذا كان شرط النزاهة الانتخابية مضمون بمقتضى الدستور كما جاء في الفصل الحادي عشر منه، كما أشرنا إلى ذلك من قبل، فإلى أي حد كانت انتخابات 07 أكتوبر نزيهة في أعين الفاعلين الحزبيين؟ للإجابة عن هذا السؤال ستحاول هذه الورقة الوقوف عند تصريحات بعض الفاعلين الحزبيين الذين كشفوا عن مواقفهم من نزاهة هذه الانتخابات، سواء من خلال تصريحاتهم الصحفية أو بياناتهم الحزبية.

إن الغاية من إجلاء سؤال النزاهة الانتخابية في خطاب الفاعلين الحزبيين، تكمن في رصد الاختلالات والأعطاب التي تفرزها الممارسة الإمبريقية للفاعلين السياسيين، لأن النصوص الدستورية والقوانين الناظمة للانتخابات مهما كانت تمنح من ضمانات لإرساء انتخابات نزيهة، فهي على محك الممارسة السياسية كثيرا ما تضعف وتتهشم، لاسيما في ظل سياق سياسي يتسم بالسلطوية.

فالبحث في نزاهة انتخابات 07 أكتوبر يقتضي تقديم تعريفات لمفهوم النزاهة الانتخابية كما تم تناوله داخل أدبيات العلوم السياسية.

أولا:مفهوم النزاهة الانتخابية:

تعتبر الانتخابات من أهم اللحظات التأسيسية في حياة الدول والمجتمعات، فمن خلالها يتم التداول حول السلطة، كما تعد الأداة الحاسمة المؤدية إلى اختيار الشعب لممثليه وترجمة مفهوم المواطنة في مختلف أبعاده ومستوياته[2]. وتشكل أيضا الانتخابات العمود الفقري للنظام السياسي الديمقراطي الحديث، نظرا لارتباطها بعملية اتخاذ القرار باعتبارها الحلقة الأكثر حساسية في النظام السياسي[3]. كما أضحت الانتخابات ظاهرة عالمية في العالم الحديث، فهي تعتبر في الأنظمة الديمقراطية من الوسائل الأولى التي تربط المواطنين بالحكومة
يرى المفكر الأمريكي الراحل "صمويل هنتغتون" في كتابه "الموجة الثالثة" أن النظام السياسي الديمقراطي هو الذي يتم فيه اختيار الجماعات التي تتخذ القرار عبر انتخابات نزيهة، شفافة ومنظمة يتنافس فيها المرشحون حول أصوات الناخبين بكل حرية[4]. لذلك تعتبر الانتخابات النزيهة هي تلك التي تقام على أساس مبادئ الديمقراطية والتي تتمثل في الحق في الاقتراع العام والمساواة السياسية، كما تعكسها المعايير والاتفاقيات الدولية. وتتحلى بالمهنية والحيادية والشفافية في الإعداد لها وإدارتها عبر جميع مراحل الدورة الانتخابية[5].
كما يعد التنافس الحر والنزيه شرط الانتخابات النزيهة، التي تتحقق من خلال الاستفادة من الشروط المنظمة للعملية الانتخابية، وذلك من خلال التسجيل في القوائم واستغلال الإمكانيات السمعية والبصرية المتاحة والتمويل المالي للحملات الانتخابية، والسهولة في الولوج إلى المعلومات ذات الصلة بمسلسل الاقتراع، والإمكانيات العادلة والمتساوية للاحتكام للقضاء إذا تم هناك طعن في العملية الانتخابية[6].
فالنزاهة الانتخابية لا تقوم فقط على وجود أطر قانونية تسمح بتحقيق الحرية والنزاهة بشكل فعال، بل أيضا يتحقق وجودها بوجود متغيرات أخرى من بينها طبيعة الجهاز المشرف على إدارة العملية الانتخابية، أي وجود هيئات تتسم بقدر كبير من الشفافية والنزاهة، فوزارة الداخلية في التجربة السياسية والمؤسساتية المغربية كانت ولازالت من الهيئات التي تشرف على مسارات العمليات الانتخابية منذ سنة 1960 إلى الآن، وهو نموذج استلهمه المغرب من التجربة الفرنسية، فهذه المؤسسة في سياقنا المغربي راكمت ممارسات سلبية في تدبيرها للعملية الانتخابية، فتدخلها الواضح في تشويه النتائج حاضر بقوة في المخيال السياسي الجماعي المغربي[7].
ظلت النزاهة الانتخابية في السياق السياسي المغربي محور الصراع ومصدر التوتر بين الفاعلين السياسيين، كما استمرت على رأس المطالب التي نادت بها أحزاب الحركة الوطنية، التي انطلقت منذ أول انتخابات عرفها المغرب في الستينات، إن لم نقل منذ الاستقلال[8].

ثانيا: انتخابات 07 أكتوبر: السياق والمظاهر

تقدم السياقات السياسية لمحة عن الديناميات التي تعرفها الحياة السياسية المغربية، فالانتخابات باعتبارها من اللحظات التأسيسية المهمة في حياة الدول والمؤسسات، التي تتجدد فيها النخب والمشاريع والسياسات، فمخرجتها تبقى إلى حد كبير مرتبطة بالممارسات والسياقات القبلية التي شكلتها.

-1 السياق السياسي لانتخابات 07 أكتوبر


تعتبر انتخابات السابع من أكتوبر ثاني انتخابات تشريعية تنظم في ظل دستور2011، وفي ظل أول تجربة حكومية يقدوها حزب العدالة والتنمية ذي الخلفية الإسلامية، هذه التجربة التي بوأت هذا الحزب المرتبة الأولى في انتخابات 25 نونبر2011 التي جاءت في سياق محتدم سياسيا واجتماعيا، عنوانه العريض احتجاجات عارمة قادتها حركة 20 فبراير، التي طالبت بجملة من المطالب الاجتماعية والسياسية.

فالانتخابات التشريعية ل 25 نونبر2011 لم تفرز أغلبية متجانسة تسمح بولادة حكومة قوية، فانسحاب حزب الاستقلال من الحكومة يوم 03 يناير2013، أبان عن مدى هشاشة التحالفات الحكومية في السياق السياسي المغربي، فنمط الاقتراع المعتمد لا يساعد على فرز حكومة قوية ومتجانسة، لاسيما في ظل وجود منظومة حزبية متباينة إيديولوجيا وسياسيا، الأمر الذي يؤثر على طبيعة التحالفات المرحلية التي تفرضها النتائج الانتخابية.
طرح خروج حزب الاستقلال من التحالف الحكومي الذي يقوده حزب العدالة والتنمية، تحديا كبيرا لاستقرار الحكومة، فحزب الاستقلال لم يكتف بمغادرة "القطار الحكومي" بعد إعلانه على ذلك يوم 03 يناير 2013، بل وجه مدفعيته الثقيلة لشن هجوم عنيف ضد التجربة الحكومية التي يقودها حزب"المصباح"، وصل هذا الهجوم إلى حد اتهام السيد "عبد الإله بنكران" من طرف الأمين العام لحزب الاستقلال السيد "حميد شباط"، بممارسة "التخابر"على المغرب لفائدة المخابرات الاسرائلية(الموساد)، ووسمه أيضا ب "الداعيشي".
فالعلاقة المتوترة بين حزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية، تعكس جزء من التوتر الذي كان يعتري الحقل السياسي بشكل عام، فخطاب بنكران طيلة مدة خمس سنوات التي قضاها كرئيس للحكومة، لم يكن يخلو من الانتقاد والتشكي من جهات داخل النظام السياسي، التي اعتبرها تعرقل وتضع الحواجز أمام حكومته، والتي كثيرا ما وصفها ب" التماسيح والعفاريت"، كما صرح ذات مرة، على أن هناك دوليتين في المغرب، "دولة رسمية و"دولة القرارات والتعيينات"[9].

كما أن انسياق الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية السيد "نبيل بن عبد الله"، مع فكرة "التحكم" التي طرحها عبد الإله بنكران، دفعه إلى اتهام أحد مستشاري الملك بوقوفه وراء تأسيس حزب "الأصالة والمعاصرة"، حينما عبر عن ذلك في حوار صحافي مع جريدة الأيام الأسبوعية، بقوله " مشكلتنا ليست مع الأصالة والمعاصرة كحزب، بل مع من يوجد وراءه ومع من أسسه، وهو بالضبط من يجسد التحكم". دفع هذا التصريح الذي صدر عن نبيل بن عبد الله، الديوان الملكي إلى إصدار بلاغ "مدوي" كرد على هذه التصريحات، والذي جاء فيه " إن التصريحات الأخيرة لنبيل بن عبد الله وزير السكنى وسياسة المدينة والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، ليست إلا وسيلة للتضليل السياسي في فترة انتخابية تقتضي الإحجام عن إطلاق تصريحات لا أساس لها من الصحة"[10].
فإذا كانت الدولة قد قامت بكسب رهان تنظيم الانتخابات في موعدها، وعبرت عن دعمها لمسار الإصلاح الديمقراطي، فقد ظلت متوجسة وقلقة كذلك من سلوك بعض الفاعلين السياسيين، فهي قبل تاريخ اقتراع 07 أكتوبر 2016، قد عبرت عن رفضها لقيام حزب العدالة والتنمية بتسجيل المواطنين في اللوائح الانتخابية عبر آليات التواصل الإلكتروني[11].
كما رفضت السلطات المغربية طلب ترشيح الشيخ السلفي المعروف حماد القباج لانتخابات 07 أكتوبر تحت راية "حزب العدالة والتنمية" بسبب "مناهضته للديمقراطية"، وذلك من خلال "إشاعة أفكار تحرض على التمييز والكراهية والتفرقة والعنف"، كما جاء في رسالة صادرة عن والي مراكش عبد الفتاح البجيوي[12].

فمن خلال هذه الوقائع والأحداث التي وسمت التجربة الحكومية الأولى التي قادها حزب العدالة والتنمية، نستشف أن التوتر الحاد الذي طال العلاقة بين الأحزاب السياسية، سواء التي كانت في الموقع الحكومي أو تلك التي في المعارضة، أو مع الجهات النافذة داخل القصر، قد خلق نوعا من عدم الثقة بين الفاعلين السياسيين، وهو ما أظهرته تصريحات الفاعلين الحزبيين اتجاه الأجواء التي مرت منها انتخابات 07 أكتوبر، وموقفهم من نزاهتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق