الطاقم السياسي….. النخبة المنتقاة بعناية - مدونة تحليل السياسات

اَخر المشاركات

منصة إلكترونية تعنى بقضايا المعرفة السياسية

الأربعاء، 6 مارس 2019

الطاقم السياسي….. النخبة المنتقاة بعناية

ذ. علي أرجدال


ملخص تنفيذي: يدور الموضوع حول مفهوم الطاقم السياسي كتعبير متمايز عن النخبة السياسية، فإذا كانت مختلف التشكيلات الاجتماعية وعبر مختلف المؤسسات تفرز نخب في مراكز القرار فإن الطاقم السياسي هو ذلك الذي يتم انتقاءه بعناية وبمثابة موظف للدولة تسهر على تكوينه، ويتميز الطاقم السياسي في مجموعة من التجاب المقارنة بالكفاءة الادارية والتكوين العالي، كما ان هذا الطاقم يصبح موضوع طلب من الاحزاب السياسية لتأثيت المشهد السياسي ولا يتبقى لها سوى تقديم هذه الفئة المنتقاة للإنتخاب من اجل اكتساب الشرعية، قد كان في ماسبق الطاقم السياسي ينتج من الأطرف نحو المركز ثم من التفويض المحلي نحو الوطني، وهو الإنقلاب الذي شهده انتاج هذه الفئة ارتباطا بسياقات مختلفة.

      يشير مفهوم الطاقم السياسي إلى النخبة التي تستلم زمام السلطة السياسية، غير أن المفهوم يختلف عن النخبة في بعض الدلالات ويشبهها في سياقات محددة. فإذا كان مفهوم النخبة غالبا ما يدل على تلك الفئة التي تتميز بصفات تجعلها مختلفة عن باقي أفراد المجتمع وتتيح لها القدرة على الوصول إلى السلطة، فإن الطاقم السياسي مختلف عن النخب السياسية بفضل عملية التحول الوظيفية من السياسة إلى السياسة كحرفة، فمحترفي السياسي حسب ماكس فيبر هم أولئك الأفراد الذين يعيشون من السياسة فقط وتكون عائداتهم كلها من شغل المنصب السياسي، وهم موظفون مرتبطون بمصالح توزيع السلطة ومصالح الإبقاء عليها أو إزاحتها ضمن دائرة مهام الموظفين المعنيين . فالطاقم السياسي يتم انتقائه من خلال ظاهرة الصراع الداخلي داخل الأحزاب السياسية، ويصبح هذا الطاقم متكون من محترفي سياسة متدربين بفضل صراعات النفوذ الداخلية التي مروا عبرها، ومن خلال الأوساط التي تشكلت فيها الأوليغارشية المؤسساتية. أما شرعية الطاقم السياسي فهي آخر شيئ يكون جاهزا له من خلال تقديمه للانتخاب ليحصل على شرعية أوسع. 

صعود الطاقم السياسي-الإداري. 

     لقد أصبح انتقاء الطاقم السياسي مُنبنياّ على مجموعة من الاعتبارات والتي تصب كلها في غلبة التكوين الإداري، فجهاز الدولة أصبح يسهر على إنتاج كبار موظفيه من خلال العمل على توجيههم نحو تكوينات إدارية مركزة تتميز بالكفاءة سواء من خلال المعاهد العليا أو المدارس المحدودة الاستقطاب، ومنها يتخرج الموظفون الساميون ينتقون كرجال سلطة ولاة وعمال. وغير هذا المسار فهؤلاء توظفهم شبكات سياسية متعددة الإيديولوجيات كقادة سياسيين وذلك بناء على مواصفاتهم الاستثنائية وبطبيعة الحال فهذا الانتقاء لا ينسجم مع صور الديمقراطية ويقلل من شرعية البرلمان وشرعية الأحزاب السياسية والتي من المفترض أن تشكل ملامح الفعل السياسي والمسيرة المهنية للنخب . 

الطاقم السياسي والأحزاب السياسية 

إن التحول الذي حدث على مستوى أدوار الأحزاب السياسية خصوصا الدور المحوري الذي تلعبه في إنتاج النخب عجل بصعود اتجاهات جديدة منافسة أحيانا للأحزاب أو مناهضة لها من قبيل الشعبوية، ولم يكن أمام الأحزاب السياسية إلا ان تنتقي بعناية القادة الجدد من المركز وليس من المحيط، وهو انقلاب على مفهوم دوران النخب، والمركز موضوع النقاش هو خزان الطاقم السياسي المحترف، ولقد عبر ماكس فيبر عن إدانته  انتقاء الطاقم السياسي بناء على الكفاءة الإدارية نظرا لما يحدثه من خلل في الدور التقليدي للأحزاب السياسية والتي اعتبرت مصدر انتقاء للنخبة من مختلف الآفاق الاجتماعية المتنوعة إلى الانفتاح والانتقاء بعناية للطواقم السياسية ذات التكوين الإداري والتي تعتبر تكريس للاوليغارشية المؤسساتية وورقة لعب للوصول إلى السلطة بمضامين فارغة.

الطاقم السياسي من المركز نحو الأطراف.

    تعتبر إقامة مركز سياسي من اكثر السمات التي تظهر تحول الأنظمة السياسية من إلى الحداثة، وفي هذا الصدد فالمركز يشير إلى مجموعة من المؤسسات والقيم التي تهدف إلى تنظيم شامل للمجموعة البشرية صاحبة السيادة والتي تحوز رقعة جغرافية محددة ، ويتسم هذا النمط بضعف التنسيق في الأدوار الاجتماعية وتبديد العلاقات السياسية ، في المقابل يعتبر المحيط الجزء الخارج عن المركز والتابع له والذي لا يجب ان يستأثر بثقافة سياسية مستقلة .
ان هذا الانتقاء العكسي من المحيط نحو الأطراف هو ما ساهم في قلب معنى "السياسة كحرفة" أي المفترض كقاعدة عامة ان يكون انتقاء الطاقم السياسي من التشكيلات الاجتماعية المختلفة ذات الكفاءة السياسية، وهو نتج عنه تغير أسس لمرحلة اكتمال ملامح الطاقم السياسي ذا الكفاءة الإدارية والذي لن تستطيع الأطراف الاندماج فيه نظرا لصعوبة ذلك من الناحية المادية خصوصا ان الانتقاء يعتمد على معايير التكوين عالي المستوى والصعب الولوج والاستمرار. ويمكن الرجوع إلى تعبير ماكس فيبر في كتابه "العلم والسياسة بوصفهما حرفة" كما أوردها " ان كون الصدفة لا الكفاءة، دون غيرها، قد أدت دورا كبيرا كهذا، فالذنب في ذلك لا يقع بشكل خاص، ولا يقع كذلك فقط على الطباع الإنسانية التي تؤدي دورها بالطبع في عملية الاختيار هذه كما في أي عملية أخرى. إذ انه من الظلم في موقف كهذا ان نحمل أشخاصا يتمتعون بقيمة شخصية دنيا في الكليات أو في الوزارات مسؤولية ان يقدر لأشخاص يتمتعون بمستوى متوسط الأداء دور كبير في الجامعات، ان الأمر يتعلق بقوانين تضافر العمل الإنساني، ولاسيما تضافر عدد من الهيئات. وفي حالتنا هذه، تضافر كليات تقترح مترشحين ووزارات توافق على تعيينهم ويمكن ان نجد الأمر الموازي لذلك في تتبع سير عملية انتخاب البابا ...."  
كما يرى بيير غريميون Pierre Grémion في كتابه " سلطة المحيط ـ البيروقراطية والوجهاء في النظام السياسي الفرنسي" ان اندماج المركز بوساطة من الجهاز الإداري تتغير حسب مجالات تدخل الدولة أو حسب الأزمنة، فهذه الوساطة التي تدمج الأطراف بالمركز لا تكون دائما من خلال نفس القنوات، فالعلاقات اللامركزية للدولة والمجموعات المحلية تعرف دائما تغيرات تخضع دائما لميزان علاقة الإدارة ببيئتها. وطرح بيير هذا الاستفهام من منطلق الربط بين المحيط ﻭﺍﻷﻃﺮﺍﻑ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻭﻇﺎﺋﻒﺍﻹﺩﺍﺭﺓ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﻟﻤﺴﺎﺋﻠﺔ ﺩﺭﺟﺔﺍﻹﺩﻣﺎﺝ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺍﻟﻤﻨﺠﺰﺓ ﻣﻦﻃﺮﻑ ﺟﻬﺎﺯ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﺩﺭﺟﺔﺍﻟﻼﻣﺮﻛﺰﻳﺔ.

المراجع:
1- ماكس ﻓﻴﺒﺮ، ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺑﻮﺻﻔﻬﻤﺎ ﺣﺮﻓﺔ، ﺗﺮﺟﻤﺔ ﺟﻮﺭﺝ ﻛﺘﻮﺭﺓ، ﻣﺮﻛﺰﺩﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﺑﻴﺮﻭﺕ ـ2011 ،ﻟﺒﻨﺎﻥ، ﺍﻟﻄﺒﻌﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ.
2- غي ﻫﺮﻣﻴﻪ ﻭ ﺑﻴﺎﺭ ﺑﻴﺮﻧﺒﻮﻡ ﻭﺑﺮﺗﺮﺍﻧﺪﺑﺎﺩﻱ ﻭ ﻓﻴﻠﻴﺐ ﺑﺮﻭ، ﻣﻌﺠﻢ ﻋﻠمﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻭﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻫﻴﺜﻢ ﺍﻟﻠﻤﻊ، ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺔ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﻴﺔ ﻟﻠﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﻭﺍﻟﻨﺸﺮﻭﺍﻟﺘﻮﺯﻳﻊ ، ﺑﻴﺮﻭﺕ، ﻟﺒﻨﺎﻥ، ﺍﻟﻄﺒﻌﺔ  الاولى 2005، ﺹ263.
3- Pierre Grémion, Le pouvoir périphérique (Bureaucrates et notables dans le système politique français, collection sociologie, Editions du Seuil, paris, 1976, P11-12.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق