اضطراب في عقل السلطة: في بعض مظاهر المرض العقلي عند الحكام - مدونة تحليل السياسات

اَخر المشاركات

منصة إلكترونية تعنى بقضايا المعرفة السياسية

الأربعاء، 6 مارس 2019

اضطراب في عقل السلطة: في بعض مظاهر المرض العقلي عند الحكام

د.عثمان الزياني


هل يجب أن نكون مجانين للوصول إلى السلطة أم أن القوة هي التي تدفعنا إلى الجنون؟ يرى في هذا الصدد"باسكال دي سوتير Pascal de Sutter "، أستاذ علم النفس،في كتابه '' هؤلاء الحمقى الذين يحكمون 'الذي نشر سنة 2007 أن "الجنون ، في السياسيين ، يشبه إلى حد كبير مرض السل لعمال مناجم " زولا "، وهو مرض مهني  خطير يصعب تجنبه"،وقد سبق للرئيس الفرنسي السابق "فرانسوا ميتران"أن اعترف لأقاربه: "على أن السلطة مخدر يجعل أي شخص مجنونًا".وعلى نطاق أوسع، يُظهر"دي سوتير" أن حدوث حالة "التسمم بالسلطة"يمكن أن تؤدي تدريجياً إلى عدم التسامح مع القدرة الكلية المطلقة المتجلية في جنون العظمة. بهذا المعنى، يمكن القول أن السلطة تدفع كل لجنون،ويمكن أن يؤدي ذلك إلى جنون العظمة "،هذا المرض الكلاسيكي العظيم من الأمراض السياسية".وفي هذا الصدد يسرد "دي سوتير" أيضا تصنيف لسمات شخصية بعض قادة العالم ،سيلفيو برلسكوني (إيطاليا) "مصاب بجنون العظمة" .جورجبوش (الولايات المتحدة الأمريكية) وفيدل كاسترو( كوبا): التوحد،انفصام الشخصية. نيكولا ساركوزي (فرنسا): موهوب ولكن لا يهدأ،مزاجي، متسرع، نرجسية فائقة، وشخصية غير مستقرة.
وفي مقال نشر في الغاردين guardianthe،كتب "بانديليband lee " مساهمة تحت عنوان "ترامب أصبح خطيرا – وهذا يجعل صحته العقلية مسألة ذات اهتمام عام ".إن ترامب في مكتب الرئاسةأصبح يشكل خطرًا. لماذا؟لأن عنف الماضي هو أفضل مؤشر للعنف المستقبلي، وقد أظهر: العدوانية اللفظية، والتفاخر بالاعتداءات الجنسية، والتحريض على العنف في حالات أخرى، وجذب العنف وأسلحة قوية، والاستمرار في تعنيف دولة معادية لها طاقة نووية. وتشمل السمات المحددة المرتبطة بشدة بالعنف: الاندفاع، والتهور، والبارانويا، والقبضة الفضفاضة على الواقع مع ضعف فهم العواقب، وردود الفعل الغاضبة، وعدم التعاطف،والحاجة المستمرة لإظهار القوة.

وهناك نمط آخر من خلال هيدل على انه شخص خطير. وهو معاناته من التنافر المعرفي، أو عدم قدرته على معالجة المعرفة والأفكار،التي تجعله في موضع التساؤل على نطاق واسع. لاحظ الكثيرون انخفاضا واضحا في قدرته الخارجية على تكوين جمل كاملة، واستخدام الكلمات المعقدة وعدم تكوين روابط فضفاضة. وهذا أمر خطير بسبب الأهمية الحاسمة لقدرة اتخاذ القرار في المكتب الذي يشغله. ويمكن أن ينجم هذا التدهور المعرفي عن جملة من الأسباب – نفسية أو عصبية أو طبية أو مستحدثة بالأدوية – وبالتالي يجب التحقيق فيها. وبالمثل،لا نعرف ما إذا كانت الأعراض النفسية ناتجة عن اضطراب عقلي أو دواء أو حالة بدنية لا يمكن الكشف عنها إلا من خلال فحص شامل. وترامب يملك أيضا نوع من "الشخصية الدرامية" القائمة على أساس وجود أوهام من النجاح اللامحدود أو القوة أو التألق أو غير ذلك من الصفات العليا، وغالبا ما تميل هذه الأوهام إلى تحويل نظرة المريض للواقع مما يمنحه إحساسا زائفا بالنجاح والانجاز.
وبحسب "باند لي" تطلب السياسة أن نتيح للجميع فرصة متساوية؛ ويتطلب الدواء أن نعامل الجميع بالتساوي في حمايتهم من الأمراض. هذا هو السبب في أن أخصائيا لصحة الليبرالية لن يتجاهل علامات التهاب الزائدة الدودية في المريض لمجرد أنه جمهوري. وبالمثل، فإن المتخصصين في مجال الصحة لا يسمون سرطان البنكرياس بشيء آخر لأنه يصيب الرئيس. عندما تصبح علامات المرض واضحة، فمن الطبيعي أن يوصي الطبيب بإجراء الفحص. ولكن عندما يصل الاضطراب إلى الحد الذي يؤثر على قدرة الفرد على أداء وظيفته،وفي بعض الحالات،قد يتسبب ذلك في إلحاق ضرر بالجمهور نتيجة لذلك،فإن من واجب المهني الصحي أن يدق ناقوس الخطر.
وتكاد تكون أيضا لازمة النرجسية هي الصفة المشتركة بين العديد من الرؤساء في العالم سواء السابقين أو الحاليين وفقا للكثير من البحوث والدراسات حيث في الغالب يميل اغلب القادة إلى التماس الاهتمام وحشد من الناس (السمات النموذجية للسلوك النرجسي)،وبالتالي يوظفون الخطابة لإظهار قوتهم وعظمتهم، ونظرا لسماتهم النرجسية في كثير من الأحيان، نجد السياسيين أكثر عنادا بشان معتقداتهم، وكيف يرون العالم ،خصوصا عندما يتعارض ذلك مع وجهات نظر مختلفة من الناحية النفسية التي تنتج عنها أنماط سلوكية متناقضة في معظم الأوقات. وهنا، يشير"ريتشارد حنانياRicherd Hanania "إلى أن السياسيين أقل انفتاحًا على التجارب الجديدة الأكثر ملائمة، إنهم يفضلون المواقف المألوفة أكثر ويميلون إلى تفضيل وجهات نظرهم".
الاعتلال النفسي هو اضطراب في الشخصية يشمل استخدام التلاعب والترهيب - وأحيانًا العنف - للسيطرة على الآخرين واستغلالهم لتحقيق مكاسب شخصية و منفعة ذاتية غارقة في الانتهازية والوصولية،ودائما ما تعبر مجموعة من السمات عن هذا الاعتلال النفسي:الشعور السطحي ،عدم الشعور بقيمة الآخرين ،الكذب المرضي،التلاعب بالآخرين،عدم الندم ،عدم الشعور بالذنب، غياب التعاطف،استحالة قبول المسؤولية الشخصية في حالة التعاطف ،البحث عن التحفيز الدائم،الاندفاع الزائد والطموح الجامح.ويخضع لبراديغم يؤمن به أشد الإيمان مؤداه"كل ما يجذب لي الحقد هو بالضبط ما يصنع مجدي".
كما انه من المثير أن نرى، في المراحل الأولية من الترشيحات لرئاسة الدول مثلا،عدد الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم جديرين بهذه الوظيفة، لكن قد تكون ماهي إلا إشباعات أخرى للأنا، والتي تغذي في الغالب شخصيات السياسيين.
كما أن بعض السمات الشخصية التي تم تحديدها في القتلة المتسلسلين أو المجرمين المتصلبين قد تكون شائعة في الساحة السياسية، من دون اللجوء إلى العنف الجسدي ، إذ يظهر العديد من القادة السياسيين وبدرجات متفاوتة نوعا من الغضب الزائد ، والسخط المتهور ، وسلوكيات أخرى نموذجية للمرضى النفسيين ،وما يميز أيضا "القاتل المتسلسل الذي يقتل بدمبارد"عن"الرئيس السيكوباثي"مثلا هو الاختلاف من حيث الدرجة والسياق،إذ يستخدم الخبراء هذا المصطلح للإشارة إلى الأفراد الذين يمتلكون مجموعة مميزة جدًا من الخصائص الشخصية،بما في ذلك عدم وجود خصلة الرحمة أو الخوف،والثقة بالنفس، والكاريزما،وخيانة الأمانة،ونقص عميق في التعاطف و ضعف الضمير الأخلاقي، و على الرغم من أن معظم الناس لا يحبون الكذاب الذي يفتقد إلى المشاعر،إلا أن أيا من هذه السمات لا يشكل في حد ذاته تهديدا لصحة الشخص العقلية.
كما تترسخ  بشكل كبير تعبيرات من "الغطرسة السياسية" التي تعبر عن خطيئة الفخر والافتخار لأولئك القادة الذين رغبوا بأكثر من نصيبهم من القدر نتيجة الثقة المفرطة والاعتزاز،والخلط بين الذات والدولة والأمة أو الحزب السياسي، واستخدام "الأنا"في المحادثات،و بروز مثالية شغوفة لا تأخذ في الحسبان لا حقائق ولا حدود بشرية ولا قيود منطقية،حيث الكثير من هؤلاء القادة يعتبرون أنفسهم فوق القانون والعديد منهم لديهم اهتمام ملحوظ بالسمعة والصورة الذاتية، إلى جانب هذه السمات،نجد الروح التنافسية،والطابع النرجسي وفقدان التواصل مع الحياة اليومية لمعظمهم.كما أن "شدة الولع بالسلطة "يمكن أن يجعل الزعيم يريد البقاء في السلطة لفترة طويلة أو الاحتفاظ بها مدى الحياة، والاستثناءات في هذا الإطار نادرة للغاية،هذا ما يصطلح عليه "بالرغبة في الخلود" أو ببساطة "الرغبة في الاستدامة"،لذلك نفهم كل ما يتعلق بتدفقاتهم الذهنية التي تتفاوت بين الكذب والتضليل والنرجسية المفرطة،و تبقى المشكلة العصية هي أنهم حوّلوا مهنة مؤقتة إلى إيجار مدى الحياة،ففي خضم تجلي الاعتزال ببطء ، يأمل في التخلي عن السلطة لعائلته، لأن الإيجار السياسي أصبح أيضًا شأنًا عائليًا وبمثابة امتياز يتم توريثه من الأب إلى الابن أو الابنة،وعلى مستوى جميع الوظائف العامة،انطلاقا من منصب الرئيس حتى ادني وظيفة انتخابية، وهنا يبرز تشكل النزوع المرضي للتمسك بالسلطة، المرض الذي يؤثر على الطبقة السياسية بأكملها. لأنهم يأسرهم نوع من الغرور الذي يولد لديهم الاعتقاد الأبدي الثابت  أن السلطة لا يمكن الاستغناء عنها  ولا غنى عنها، لأنهم بكل بساطة مدمنون على مخدر السلطة.
ويبقى الشيء المضحك هو أنه إذا كان الجنون في السلطة، فذلك لأننا وضعنا هم هناك لأنهم مجانين. نعم،نصوت لصالح المجانين،والمخادعين،والكذابين،لأن أخطاءهم تطمئننا على أنفسنا ونفضل التصويت لأولئك الذين يشبهوننا في معظم الأحيان. كل من ننتخب ليس بالضرورة الشخصالذي سيكون القائد الصحيح،قد يكون الناخب أكثر جنونا من الذي ينتخب.ويقترح في هذا السياق ضرورة العمل على تضمين السيرة النفسية للمترشح ضمن شروط الترشح لأي مهام انتخابية والتي يراها في نفس الوقت مهمة بعيدة المنال.
وفي هذا السياق يذكرنا الفيلسوف الإسباني دانيال إنيرريتي Daniel Enerartiأن الإخلاص في السياسة هو أحد القضايا الديمقراطية الكبرى، إنه ينطوي على مصالحة مستحيلة بين ما يعد به السياسيون وما يتوقعه الناخبون وما يمكن أن تحققه القيادة فعلاً بمجرد انتخابهم.وهناك رد فعل نموذجي للغاية ، نعتقد أنه منتشر على نطاق واسع بين المواطنين حيث يمكنهم بسهولة أن يعتبروا أنفسهم مخدوعين من قبل حكوماتهم،و هذه هي ردود فعل طبيعية جدا،فمن المحبط أن يتم تقديم خطاب مطمئن خلال الانتخابات ، رغم أن المعطيات الواقعية سيئة جدا ،ومع ذلك ، نود توضيح شيء واحد،أن السياسيون يعرفون علم النفس البشري جيدا! لسوء الحظ، فهم يعرفون مدى أهمية قول ما يريد الناس سماعه ، وليس ما يفكرون به حقًا.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق