المعطيات الشخصية؛ بترول القرن 21م - مدونة تحليل السياسات

اَخر المشاركات

منصة إلكترونية تعنى بقضايا المعرفة السياسية

الخميس، 16 يناير 2020

المعطيات الشخصية؛ بترول القرن 21م

ذ.علي ارجدال


إن الإنسان مند القدم كان هدفا وموضوعا للمعلومات، سواء بإرادته الحرة، أو بفعل الإكراه. فهذه المعلومات تتضمن معطيات شخصية تعد عامل أساسي في التواصل، وفي سلوك الأفراد داخل المجتمع 1. وكنتيجة لانتشار واستعمال التكنولوجيا المتطورة شهدتبداية القرن 21 ميلادي تزايدت حدة التهديدات التي تمس خصوصية الإنسان وبالتحديد في كل من أمريكا والاتحاد الأوروبي وذلك نظرا للانتشار الواسع للمعطيات الشخصية في المجال الرقمي، حيث أن كل شخص اصبح مجرد تصفحه للأنترنيت يتم تخزين قاعدة بيانات حوله بشكل أوتوماتيكي باستعمال تقنية التخزين السحابيCloud Storage، كما ظهرت قضايا أخرى من قبيل أن السلطات المكلفة بإنفاذ القانون أصبحت هي ذاتها تقوم باستخدام تقنيات لتعقب الهواتف، أو تحديد المواقع الجغرافية للأشخاص المراد التجسس عليهم أو متابعتهم 2. فاصبح أيضا بالإمكان استغلال الهواتف لتسجيل المحادثات الشخصية حتى لو كانت غير مشغلة3 ، ووصلت حدة التطور إلى أن اصبح يمكن أيضا تعقب الأفراد أثناء السياقة عبر تقنيات 4 ALPR و GPS بدون الحصول على أي رخصة أو صلاحية. وفي مستوى آخر انتشرت أنظمة الهوية البيوميترية Biometric Identification Systems والتي بدأت البنوك في اختبارها عبر تقنية البصمة الرقمية 5للتأكد من هوية المستخدمين أثناء عمليات تسوقهم، ناهيك عن استعمال دور المعطيات البيوميترية في مجال الرحلات، حيث أن كل دولة الآن أصبحت تقوم بتسجيل رحلات الأفراد عبر مطارات العالم. من جانب آخر وصلت هذه التكنولوجيا لتشمل مراقبة تحركات الأطفال في المدارس من خلال استعمال أجهزة البصمات الرقمية .
في مارس 2018 عندما تفجرت فضيحة  6شركة الاستشارة السياسية كامبريدج اناليتيكا Cambridge Analityca وفيسبوك، نقلت صحيفة غوارديانGuardian في لندن قول المديرة السابقة للاستشارات7: 
"إن الشركات الكبيرة مثل غوغل GoogleوفيسبوكFacebook و أمازون Amazone تربح مئات الملايير من الدولارات وذلك من خلال تحويل المعطيات الشخصية إلى قيم مالية، وقد أخبرت مند سنوات حكومات وشركات بمصدر مهم للثروة وذا قيمة ثمينة، وهو المعطيات الشخصية، فعلى الناس أن يكونوا قادرين على تحويل معطياتهم الشخصية إلى قيم مالية، فهي أيضا قيم إنسانية خاصة بهم، لكي لا يتم استغلالها"
 فيرى البعض الآخر أن إشكالية الناس مع عالم الأنترنيت ليس التحكم في المعطيات الشخصية وانما التشخيص الخاطئ عندما يتم اقتراح حلول اكثر ضرر بدل المساعدة، فشركة غوغل وفيسبوك لا تستغل المعطيات الشخصية9 للأفراد بل انتباههم للشاشة، والذي يجنون من ورائه أموالا طائلة، فاستعمال المعطيات الشخصية بالنسبةلهم ليس إلا وسيلة ليصنعوا فيما بعد المحتوى الإشهاري المناسب للمشاهدة،وذلككما وصف الاقتصادي البريطاني روفوسبولوكRufus Pollock في كتابه  " الثورة المفتوحة8 The open revolution“ما يجري بأنه "احتكار لانتباهك “Monopoly of your attention وقد خلف هذا التطور التكنولوجي الواسع أثرا على تعامل الأفراد مع معطياتهم الشخصية، حيث أن كل فرد يصبح معملا لإنتاج المعلومات حول نفسه، سواء عبر تطبيقات الأنترنيت المنتشرة، أو تطبيقات الهاتف النقال، ولا يتبقى سوى أن يتم تنظيم هذه المعطيات وجمعها عبر استخدام خوارزميات تمكن من تصنيفها وتمييزها، وعبرها يمكن التعرف على السجل الطبي للأفراد والأماكن التي يترددون عليها  إضافة إلى تفضيلاتهم المتعلقة بالطبخ والفن والموسيقى وكل ما قد يعتبر معطيات شخصية.
ومنجانب،فإن تبادل المعلومات بين الدول مسألة لا غنى عنها خصوصا انه تشكل بعدا للتعاون القضائي فيما يتعلق أحيانا بتعقب المتطرفين أو تسليم المجرمين، إلا أن هذا التبادل قد يصل أحيانا إلى درجة المس بحقوق وحريات الأفراد خصوصا اذا لم تؤطره أي قوانين أو تشريعات خاصة10 .
ولم يعد هنالك نزاع اليوم أن الحق في الحياة الخاصة من الحقوق الدستورية الأساسية الملازمة للشخص الطبيعي بصفته الإنسانية، ولهذا تحرص المجتمعات خاصة الديمقراطية على كفالة هذا الحق، وتعتبره مستقلا بذاته، وهي لا تكتفي بسن القوانين لحمايته بل تسعى إلى ترسيخه في الأذهان، ومع تزايد التقنيات الحديثة وتطورها زادت المخاطر على الخصوصية  واصبح من الصعب محاصرة التقنيات الجديدة في انتهاك المعطيات الشخصية.
كما لم تستطع الدول بحكم بطئ اشتغال الأجهزة التشريعية مسايرة التكنولوجيات الحديثة من الناحية القانونية، فالأنترنيت، وتكنولوجيا الإعلام تتطور بشكل سريع، في حين أن التشريعات غير قادرة على مواكبتها، وبالتالي فأي تباطىء لها تنتهك معه العديد من الحقوق الأساسية خاصة تلك المرتبطة بخصوصية الإنسان، وهنالك من يرى أن هذا لا يعني ضعف المواكبة التشريعية أمام التطور التكنولوجي بل يجب التأكيد على أن حماية المعطيات الشخصية ليس وليد التطور التكنولوجي حيث أن التنظيم القانوني لها بدأ مند زمن بعيد في التشريعات الوطنية للدول، ولكن سار المفروض هو مسائلة القوانين المرجعية الأولى لحماية المعطيات الشخصية حول الطبيعة التي وردت بها هذه الحماية في القوانين الداخلية قبل ظهورها في التشريعات الدولية .

باحث في العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس

المراجع:

1- Nicolas Gillard, La nouvelle loi Fédérale sur la protection des données personnelles, CEDIDAC, 1ere Edition, Lousanne-Suisse, 1994, P.41
2-  DemetruisKlitou, “Privacy-Invading Technologies and Privacy by Design; Safe guarding privacy, Liberty and security in the 21st century”, Asser press, Volume 25, The Netherlands, 2014, P.1
 4- بدأ مكتب التحقيقات الفيدر الهاتف عن بُعد واستخدامه للتنصت على المحادثالي FBI في استخدام نوع جديد من المراقبة الإلكترونية في التحقيقات الجنائيةوذلك عبر تنشيط ميكروفون -ات القريبة
5-“FBI taps cell phone mic as eavesdropping tool” https://www.cnet.com/news/fbi-taps-cell-phone-mic- as-eavesdropping-tool

 6- مجموعة من أنظمة التحكم الآلية في الدخول مصممة خصيصًا لتطبيقات مواقف السيارات. وتشمل أنظمة التذاكر نظام التعرف على لوحة الأرقام التلقائية  ALPRأو نظام وقوف السيارات على بطاقة البلوتوث.
 ALPRأو نظام وقوف السيارات على بطاقة البلوتوث.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق