قراءة وترجمة: علي أرجدال
إن الحركات الاجتماعية ليست بالظاهرة الجديدة، فالناس يحاولون دائما التحرك لأجل الدفاع عن شيء ما أو الوقوف ضده. ويرجع السبب في هذا إلى كون الحركات الاجتماعية عادة ما تأخذ وقتا أطول لتحقق التغيير المنشود، كما يمكن أن لا يتحقق أبدا هذا التغيير.
ليست هنالك وصفة جاهزة لكي تنجح الحركات الاجتماعية. ليسلي كروتشفيلد Leslie Crutchfield المديرة التنفيذية لمبادرة المشاريع الاجتماعية العالمية Global Social Enterprise Initiative بجامعة جورج تاون (كلية الاعمال) وبتعاون مع فريق من الباحثين قاموا بتحديد عدد من الأنماط التي تميز الحركات الاجتماعية الناجحة عن تلك التي لا تنجح، وشاركت هذه الدراسة في شكل كتاب صدر مؤخرا وسمي " كيف يحدث التغيير: لماذا بعض الحركات الاجتماعية تنجح بينما اخرى لا تنجح" How Change Happens : Why Some Social Movements Succed While Others Don’t ، وقد ربطت كروتشفيلد نجاح الحركات الاجتماعية بتحقق بمحددات ستة:
-1التركيز على القواعد شعبية
2ـ تقدير أهمية الجهود الحكومية او المحلية.
3ـ الالتزام بتغيير المواقف والاعراف والسياسة.
4ـ الاستعداد لتصفية الحسابات مع الخصوم والحلفاء.
5ـ قبول حقيقة أن الشركات ليست دائما عدواً، ولكن غالبا ما يمكن أن تكون الحليف الرئيسي.
6ـ وأخيراً، أن تكون تتقلد دور» صاحبة الزعامة «Leaderfull
وترى كروتشفيلد ان نجاح الحركات الاجتماعية في التغيير يرجع الفضل فيه إلى الزعماء الذين يدركون باستمرار اهمية المناداة بالتغيير على مستوى الاعراف الاجتماعية، وليس فقط المطالبة بالإصلاح السياسي، وأيضا عدم إعطاء الأولوية لمسألة دون اخرى. ولكي تعزز كروتشفيلد وجهة نظرها، قامت بمشاركة بعض الافكار الرئيسية لما ترى انهم زعماء تغيير ناجحون فمثلا قام مؤيدوا حركة " المساواة في الزواج" بالولايات المتحدة الامريكية باستعمال بحوث الاقتراع للتركيز على اعادة صياغة حملة الرسائل من " الحقوق" إلى " الحب" و "الالتزام"، وهو ما نتج عنه نشر شعارات متداولة مثل " الحب هو الحب" وفي الاخير إلى تغيير قوانين الزواج.
ولكي يتم توضيح الكيفية التي يحدث بها التغيير، قامت كروتشيلد بتسليط الضوء على عدد من الحالات التي انتصرت فيها حركة على حركة مضادة انحرفت فيها عن هذه النماذج الستة للحركات الناجحة. ان اكثر ما يقال هو النجاح الذي حققته " الرابطة الوطنية للبنادق National Rifle Association" في الدفاع عن انتشار حق حيازة السلاح في الولايات المتحدة الامريكية" وذلك راجع إلى التركيز على الاستماتة في الدفاع عن هذا الحق بشكل منظم داخل القواعد الشعبية.
ومن المؤكد ان " القواعد الشعبية كونت جيشا من المدافعين عن حق حيازة السلاح مما دفع إلى ظهور موجة من الغضب على شكل احتجاجات مضادة لحمل السلاح، تدعوا إلى اعادة النظر في مسألة حيازة السلاح عقب كل حادث اطلاق نار مأساوي.. ولا تزال المجموعات المطالبة بالوقاية من عنف الاسلحة تفقد قواعدها بشكل واسع"، وعلى مر السنين يقوم زعماء "الرابطة الوطنية لحملة البنادق" بتعزيز قواعدهم الشعبية وذلك بالتركيز على المناسبات التي يجتمع فيها الناس مثل حفلات الشواء، واجتماعات دار البلدية. في المقابل فإن مؤيدي أمن الاسلحة اصبحوا اكثر توجها " نحو النخب السياسية على المستوى الوطني" وأيضا " الدفع بهذا الامر للتحكم فيه عبر قانون يمرره الكونغرس". ان الاتجاهين السابقين اللذان تسير بهما الحركة يتحدثان عن انفسهما ويشكلان سندا لرؤية كروتشيلد التي تنظر إلى ان اهم قرار فردي على زعماء الحركات الاجتماعية ان يتخذوه " ترك قواعدهم الشعبية لتنصهر إلى البني، او جعلها ذهبية"
كما ظهر توجه حديث تستفيد منه الحركات الاجتماعية تجلى في النمو المتزايد للقطاع الخاص والذي يسعى ويرغب في دعم ما يسمى قيم "خط الحد الأدنى المزدوج".
وحسب كروتشيلد، فإن الشركات تهتم بشكل متزايد بان تظهر نوايا حسنة في المسائل البيئية والاقتصادية ويرجع ذلك إلى ضغط الناشطين او ازدياد وثيرة الارباح، او هما معا. وتعمل شركات صنع المشروبات والسيارات مع مجموعات مثل " MADD أمهات ضد القيادة في حالة سكر " لتشجيع عادات الشرب والسياقة الأكثر امانا، وهو اهتمام ضمني ومتزايد من الشركات باستراتيجيات العلامة التجارية، وقد اثبتت الشركات انها يمكن ان تكون قوة مؤثرة في قيادة التغيير الاجتماعي.
في نهاية اليوم، وبالرغم من ذلك، فالحركات الاجتماعية لا تكون فعالة الا بفعالية زعمائها. وتعتبر كروتشفيلد أن اكثر القادة فعالية هم هؤلاء الذين مستعدون لتقاسم السلطة و " القيادة من الخلف" وبشكل فعلي ان تكون الحركة " صاحبة الزعامة Leaderfull " ( وهو مصطلح مستوحى من تفكير وكتابة الناشطة الحقوقية ايلا باكر Ella Baker ) هي من تنجح في استغلال طاقة الكثير من الناس بدل القليل وتحول هذه الطاقة إلى قضية مشتركة. ووفقا لكروتشيلد فالحركات » صاحبة الزعامة « تتقاسم ثلاث سمات:
_1تمكن القادة المحليين في قواعدها الشعبية من المضي قدما.
_2تبنى عبر التحالفات التي تشترك معها نفس الافق وتشبهها.
_3واخيرا ان تحتضن اصحاب الخبرة الذين عاشوا تجربة المشاكل ولديهم ما يكفي من الطاقة للدفاع عن المنظمة.
بالفعل يمكن رؤية هذه الفكرة تعمل، في حركات حديثة مثل "عداد حياة السود BlackLivesMatter ثم في اعمال دعم مكافحة الاسلحة من طرف طلاب ثانوية باركلاند Parkland بفلوريدا.
كل هذا يبدوا عظيما على المستوى النظري، ولكن الشباب والنشطاء يتطلعون إلى اكثر من ما هو نظرية. ولحسن الحظ ان كل جزء من كتاب " كيف يقع التغيير" يمنحنا نصيحة عملية، وتكتيكات واستراتيجيات طويلة الامد اعدت لمساعدة القادة والمشاركين في الحركة للتقدم بقضيتهم. وفي الجزء المتعلق بحسابات الخصوم والحلفاء كروتشفيلد تشدد على اهمية توافق الآراء وبناء الثقة والاستقرار على اهداف واقعية. كما تحذر القراء ايضا من تبعات السقوط في فخ الخلافات السياسية، مثل الصراعات الشخصية، او التوافقات حول من يحصل على الارصدة. ( وسيكون من المثير الاهتمام بمتابعة حركة عداد حياة السود BlackLivesMatter وحركة الطلاب القادة لمكافحة الاسلحة Students-Ledـ كلها تمتلك قواعد شعبية قوية ولكن من دون اي سياسة موحدة الاهداف... فهي تصارع الفخاخ مثل ما هي ايضا مستمرة بالتقدم بقضاياها التي تخصها)
اذا، ما هو المعنى الذي يستخلصه كتاب " كيف يحدث التغيير" بالنسبة للتغيير الاجتماعي؟ فحسب كروتشفيلد فموقعك هو الذي يحدده. فالمؤسسات والجهات العليا المانحة والمسؤولون عن السياسات ورؤساء الوكالات، وقادة الاعمال والنشطاء من المواطنين، الكل يحصل على اموال واصول محددة غير ان كل واحد له دور مختلف عملية التغيير الاجتماعي. فمؤسسة روبرت وود جونسون Robet Wood Jhonson للرعاية الصحية في البلاد تخصص على مدى عقد 700 مليون دولار لدعم مبادرات مكافحة التبغ لعبت ادوار حاسمة في نجاح هذه الحركة.
كما ان مجموعة من الكيانات تمتلك في حوزتها موارد مالية، وبالرغم من ذلك لا تنجح لان المال ليس ضمانة للنجاح. ( في الواقع ان الجهات المانحة السخية تعرف بكونها تسعى إلى تقويض الحركات الاجتماعية والنيل منها) ويحتاج كل واحد منا للتفكير مليا في الاموال او الممتلكات التي يتوفر عليها كأفراد أو منظمات والجلوس إلى الطاولة والتفكير بشكل مبدع في الطريقة التي يمكن معها وضع هذه الاصول في خدمة قضية الحركة.
كما وضحت كروتشفيلد فإن بناء الحركة يكون في منحى موجه ومترابط ومتكرر. ومن خلال مجموعة من الامثلة التي تمتد لعقود، مجالات قضايا و البنية التنظيمية، فكتابها يحاول التذكير دائما بأن التاريخ مليء بدروس لا حصر لها والتي تمكننا من التفكير في الكيفية التي نخلق تغييرا مستدام وذا معنى اليوم وفي المستقبل.
رغم أن الأمثلة التي شاركتها في الكتاب كلها مستمدة من الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن النتائج التي توصلت إليها سوف تجد صدىً لدى زعماء الحركات وحشود الناشطين الذين يقودون الحركات حول العالم. وهذه مسألة جيدة، لأنه وكما عبرت عنه كروتشفيلد أن "التغيير يرتفع أعلى نحو القمة، وليس العكس".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق