النّخب والانتقال الدّيمقراطي - مدونة تحليل السياسات

اَخر المشاركات

منصة إلكترونية تعنى بقضايا المعرفة السياسية

الأربعاء، 10 يوليو 2019

النّخب والانتقال الدّيمقراطي









صدر عن سلسلة «ترجمان» في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب مُحدِّدات التحول الديمقراطي: تفسير تغيُّر أنظمة الحكم في العالم (1972 - 2006)، وهو ترجمة خليل الحاج صالح ومراجعة عمر سليم التل لكتاب يان تيوريل بالإنجليزية Determinants of Democratization: Explaining Regime Change in the World, 1972-2006، الذي يسأل فيه: ما هي مُحدِّدات التحول الديمقراطي؟ وهل العوامل التي تدفع بلدانًا نحو الديمقراطية تساعدها أيضًا في وقف الردَّة نحو الأوتوقراطية؟
في كتابه (341 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) المؤلف من سبعة فصول، يحاول تيوريل الإجابة عن هذين السؤالين بمزيج من تحليل إحصائي لمُحدِّدات تغيّر النظام الحاكم الاجتماعية والاقتصادية والدولية في 165 بلدًا في العالم، بين عامي 1972 و2006، ودراسة حالة التحول الديمقراطي في الأرجنتين وبوليفيا وهنغاريا ونيبال والبيرو والفيليبين وجنوب أفريقيا وتركيا والأورغواي.
في الفصل الأول، تفسير التحول الديمقراطي، راجع المؤلف المقاربات النظرية الأربع الشائعة في تفسير التحول الديمقراطي: المقاربة البنيوية والمقاربة الاستراتيجية وتراث القوى الاجتماعية المأثور والمقاربة الاقتصادية، فأظهر، في ظل مجموعة معايير مثالية، أن لا وجود لنظرية كاملة في التحول الديمقراطي.
علاوة على ذلك، فإن الاستراتيجيات الثلاث الشائعة لفحص هذه النظريات – والمرتكزة على الإحصاءات أو الدراسات التاريخية المقارنة أو دراسات الحالة الإفرادية -لم تكن ناجحة بذاتها. والموقف الذي يتخذه هذا الكتاب، والمستند إلى انتقائية نظرية ومزيج من المقاربات المنهجية، ينبع من هذه الملاحظات.
أجرى تيوريل في الفصل الثاني، ظلال الماضي: المُحدِّدات الاجتماعية، مراجعة للأدبيات والأدلة ذات الصلة بالكيفية التي يمكن الإرث التاريخي، مثل الجذر الاستعماري والطائفة الدينية والتنوع الاجتماعي ومساحة البلد، أن يرسم مصير الديمقراطية. وهنا وجدتُ أن كفة البلدان الصغيرة في التحول الديمقراطي في أثناء الموجة الثالثة كانت أرجح، وأن نسبة المسلمين من سكان البلدان التي أُعيق فيها التحول الديمقراطي كانت أكبر، إلا أنني غير قادر على استجلاء أي آليات تفسيرية لهذه النتائج. يتناول المؤلف في هذا الفصل الأدبيات المتصلة بالمُحدِّدات الاجتماعية المحلية، ونتائج تجريبية، والإسلام والديمقراطية، ولماذا يرجح احتمال التحول الديمقراطي في البلدان الصغيرة؟
قوة ومحددات
كرس تيوريل الفصل الثالث، قوة الازدهار: المُحدِّدات الاقتصادية، للمُحدِّدات الاقتصادية، بما فيها التحديث الاجتماعي - الاقتصادي ووفرة الموارد الطبيعية والأداء الاقتصادي والتفاوت والحرية، فوجد أن التحرر من تدخل الدولة في الاقتصاد وفي التحديث الاجتماعي - الاقتصادي يعوق الردات نحو السلطوية، وأن الآلية الاجتماعية الاقتصادية تعمل عبر أهمية انتشار وسائل الإعلام في ردع الانقلابات العسكرية أو إحباطها. فوق ذلك، وجد أن الاعتماد على النفط يعوق الديمقراطية، بينما تحفِّز الأزماتُ الاقتصادية التحول الديمقراطي. ثم تعقب آليات التحول الديمقراطي الناتجة من الأزمة الاقتصادية في حالات الفيليبين وبوليفيا والأرجنتين والأورغواي، وعلاقة الأزمات الاقتصادية بهشاشة السلطوية.
في الفصل الرابع، قوة الدفع الخارجية: المُحدِّدات الدولية، تناول المؤلف المُحدِّدات الدولية للتحول الديمقراطي، فوجد أن الاعتماد على التجارة يعوق التحول الديمقراطي، بينما يقوى انتشارها في حالتي المجاوَرة وعضوية البلد في منظمات دولية تجتذب أعضاء لها من مناطق محددة من العالم. مع ذلك، لا يجد أي من هذه المُحدِّدات الدولية تحفيزًا واضحًا له من آليات سببية محدَدة. ولم تخل من الغموض حتى أدلة دراسة الحالة المُفسِّرة لأهمية العضوية في منظمات إقليمية ديمقراطية في تركيا وهنغاريا والبيرو، وما من تأثير ذي مغزى لتدفق رؤوس الأموال الدولية أيضًا، في حين تباينت نتائج التدخل الخارجي.
تعبئة وطوارئ
في الفصل الخامس، القوة من الأسفل: التعبئة الشعبية، نقل تيوريل مركز التحليل من المشهد الدولي إلى القوى المولِّدة للديمقراطية من الأسفل، إذ وجد أن التظاهرات السلمية تحفِّز التحول الديمقراطي، بينما لا تحفزه الإضرابات وأعمال الشغب العنيفة والنزاعات الأهلية المسلحة. ومن ثم يجري تتبع الآليات التفسيرية المسؤولة عن تأثير التظاهرات السلمية عبر أدلة مستمدة من دراسة الحالة في الفيليبين وجنوب أفريقيا ونيبال.
في الفصل السادس، الهزات الخارجية المنشأ وأنماط أنظمة الحكم السلطوية: الطوارئ المؤسساتية، عالج المؤلف مسألة ما إذا كانت توقعات نجاح التحول الديمقراطي تختلف باختلاف أنواع الأنظمة السلطوية. فقد استنبطت بدايةً مجموعة فرضيات حول استعداد أوتوقراطية الحزب الواحد والأوتوقراطية العسكرية والأوتوقراطية الملكية والأوتوقراطية المتعددة الأحزاب للتحول الديمقراطي، بأنفسها ومن أنفسها، واستجابةً لهزات تحدث خارجها، على حد سواء. ومن ثم تفحص هذه التوقعات مع الهزات ذات المنشأ الخارجي قيد التنفيذ، كالتحركات الشعبية والأداء الاقتصادي والتدخل الخارجي.
في الفصل السابع والأخير، خلاصات، لخّص تيوريل نتائجه وقوّم الأداء التفسيري المؤلَف من جميع المُحدِّدات جملةً، في منظور قصير الأمد وآخر طويلة. ثم اختتمت بمناقشة مضامين نتائجي بالنسبة إلى النظرية، ودراسة التحول الديمقراطي في المستقبل، واستراتيجيات تعزيز الديمقراطية، كما بالنسبة إلى العالَم الفعلي للتحول الديمقراطي ذاته.
النّخب والانتقال الدّيمقراطي
وصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب النّخب والانتقال الدّيمقراطي: التشكُّل والمَهمّات والأدوار، ويضم عددًا من البحوث التي قُدّمت في مؤتمر عقده المركز في تونس في الفترة 14-16 يوليو 2016، شارك فيه نحو 30 باحثًا، بحثوا في دور النخب المختلفة في الانتقال الديمقراطي، وخصوصًا أن العديد من الدراسات السياسية والاجتماعية المهتمة بالتحولات التي عاشتها مجتمعات عربية كثيرة، تحديدًا المجتمعات التي ظهرت خلال النصف الثاني من القرن العشرين، استند إلى مقولة «النخب»، في ظل تراجع مقولات أخرى، مثل الزعامة والطبقة وغيرهما. يضم هذا الكتاب (751 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) خمسة وعشرين فصلًا، موزعة على أربعة أقسام.
يضم القسم الأول، «النخب والانتقال الديمقراطي»، خمسة فصول. في الفصل الأول، «النخب: بناء الوفاقات وترويض السياسة»، يعرض كمال الغزي للتراث التأسيسي لمفهوم النخب ودورها في الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية، مقدّمًا أمثلة تطبيقية من التاريخ الأميركي في حيثيات بناء الوفاقات وترويض السياسات وإنجاز التفاهمات، بوصفها مؤشرًا إيجابيًا دالًا على حيوية المجتمع السياسي.
يحلّل أيمن بوغانمي في الفصل الثاني، «الانتقال الديمقراطي التشاركي في تونس: حلول نخبوية في سياق ثوري»، أسباب الاختلافات السياسية في تونس بعد الثورة، وشروخ الطبقة السياسية التي فرضت الديمقراطية الوفاقية بوصفها حلًا عقلانيًّا يقي من المخاطر، وبيّن الحاجة إلى حلول جدّية وملائمة للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية، كي لا تذبل التجربة وتنهار. في الفصل الثالث، «النخبة السياسية الليبية وتحديات بناء دولة الديمقراطية والمواطنة»، يتوقف محمد عمارة سريبة عند الإكراهات الكبيرة المحدقة بالانتقال الديمقراطي في ليبيا في ظل انتشار الفوضى وغياب مؤسسات الدولة، وفشل النخب الليبية في جعل الهوية الليبية إطارًا جامعًا.
دور العسكر
وفي الفصل الرابع، «النخبة السياسية الجزائرية: جذورها التاريخية وتكونها وخلفياتها الاجتماعية»، يقول باقي ناصر الدين إن قراءة تاريخ تكوّن النخب السياسية الجزائرية وخلفياتها الاجتماعية واتجاهات أعضائها تكشف عمق انقساماتها، أكانت في دوائر السلطة أو خارجها، إذ تتسم النخب الجزائرية بالجمود والانخراط في حركة دائرية مفرغة، إلا من الركض خلف المصالح.
ويبيّن منصور لخضاري في الفصل الخامس، «النخب العسكرية والانتقال الديمقراطي في بلدان الربيع العربي: التموقع والأدوار»، أن النخب العسكرية أدت دورًا حاسمًا في رسم الخريطة السياسية بعد الثورات العربية، بل هي من حدّد مآلات تجارب الربيع العربي بصيغ مختلفة، في ليبيا وسوريا ومصر.
وفي الفصل السادس، «النخب العسكرية الأفريقية والعربية: وكلاء التغيير، خداع أم حقيقة؟»، يقرأ بيتا أوغابا أغباس الانقلابات العسكرية في بلدان أفريقيةٍ عدة قراءةً تاريخية، ويتناول «حيلة التغيير» في الحقل السياسي؛ إذ يتم التنكر لوعود التغيير الجذري وإرساء العدالة ومقاومة الفساد فلا يتحقق منها شيء، بل تؤدي الإجراءات المتخذة إلى الانقلاب على الحد الأدنى من الديمقراطية.
حركات دينية وثقافية
يضم القسم الثاني، «النخب الثقافية والدينية والمسارات السياسية»، ستة فصول. في الفصل السابع، «الحركات الاجتماعية في العالم العربي والتناول النخبوي لرهانات التحول: أزمة ضمير أم تعطّل في الأدوار؟»، يكشف سعيد حسين العبدولي أن النخب الثقافية بعيدة عن صورة المثقف العضوي والمفكر الرسولي المساهم معرفيًا في الحراك الاجتماعي. وأشار إلى أن بعض الفئات المثقفة انفصل عن مطالب المجتمع واندمج في مشاريع السلطة.
ويبحث أناس المشيشي في الفصل الثامن، «الفيلسوف والانتقال الديمقراطي بالمغرب: أنموذج محمد عابد الجابري»، في أسباب تعثّر الانتقال الديمقراطي في المغرب، مستندًا إلى تراث محمد عابد الجابري باعتباره أنموذجًا للمثقف المعروف بمواقفه في مواجهة السلطة، وبإسهاماته النظرية في إثراء ثقافة المواطنة والديمقراطية.
وفي الفصل التاسع، «النخبة الثقافية ومأزق الانتقال نحو الديمقراطية: حركة 20 فبراير في المغرب أنموذجًا»، تطرّق إدريس جبري إلى الموروث الاستبدادي الذي ورثته النخبة الثقافية، بوصفه متغيرًا أساسيًا في فشل محاولات دمقرطة الدولة، وغياب ثقافة سياسية حداثية. 
ويقول إن نهاية «حركة 20 فبراير» كانت متوقعة، بسبب تنافر مكوناتها وتباعد مرجعياتها الأيديولوجية، وغياب مشروع سياسي واضح، وعزوف النخبة الثقافية الحداثية عن مهمة تغيير وعي الجماهير.
المثقف... أي دور؟
تتناول يسرى بن الهذيلي في الفصل العاشر، «المثقف الأكاديمي بين المعرفة العلمية والممارسة السياسية: تونس أنموذجًا»، المثقف الأكاديمي بين المعرفة العلمية والممارسات السياسية في تونس. وتقول إن الربيع العربي مثّل فرصةً ليُعيد المثقف التفكير في تصدّره المشهد من جديد، خصوصًا مع مدّ الحركات الاحتجاجية والاجتماعية، فاستعاد هذا المثقف دوره بعد إصابته بإحباطات الهزيمة.
وفي الفصل الحادي عشر، «المثقّف العربي المُتخلّي: جورج طرابيشي وطه عبد الرحمن أنموذجين»، يقارن محمد أوريا بين أنموذجي المثقف العربي: جورج طرابيشي وطه عبد الرحمن؛ اللذين تجتمع فيهما الثقافتان التقليدية والحديثة، وتلتقي عندهما العلوم الإنسانية والفلسفة بالمعرفة التراثية، فيناقضان العروي الذي يرى استحالة التقاء التقليدي والحداثي في مثقف واحد.
نسويات ثورية
في الفصل الثالث والعشرين، «تكوّن الحركة النسوية بالبلاد العربية: مقاربات تاريخية لظهور النخب النسائية»، تتتبّع نادية الرياحي مراحل اقتحام النساء العربيات للحياة العامة، محلّلة الرؤى الإستراتيجية التي حملتها بواكير الحركة النسوية، والتحديات التي واجهتها في نضالها لتحقيق المساواة، مرورًا بدورها في النضال من أجل الاستقلال، وصولًا إلى ميلاد جمعيات نسائية تناضل لتمكين المرأة في المجتمعات الحديثة.
في الفصل الرابع والعشرين، «النخب النسائية والانتقال الديمقراطي في المغرب: 1998-2016»، تقرأ ثورية السعودي مساهمات النخب النسائية المغربية في ضوء كلمات مفتاحية عدة: «الانتقال الديمقراطي» و«النخب النسائية» و«اللوبي النسائي» و«النخب الصامتة». ويؤطر مفهوم النوع/ الجندر دراستها نظرًا إلى أهميته في هذا المجال.
وفي الفصل الخامس والعشرين والأخير، «تدوير النخب في سياق متغير»، يقول منير السعيداني إن دورة النخب لم تظهر إلا في شكلها الحزبي والانتخابي، ولم تنجح في إدماج القوى الشبابية؛ لهذا، لم يمسّ المسار التونسي آليات تدوير النخب، إذ منح الأولوية للمسار الانتقالي على حساب المسار الثوري، فلم تتغير النخب الحاكمة إلا في الشكل، من دون إشراك النخب الشبابية التي قادت التحركات الثورية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق